"إكس" تحت ضغط أوروبا: هل الثقة الرقمية واجب أم سلعة؟

تكنولوجيا 10-12-2025 | 08:25

"إكس" تحت ضغط أوروبا: هل الثقة الرقمية واجب أم سلعة؟

الخلاف بين "إكس" والاتحاد الأوروبي صدام بين مفهومين للشفافية. فهل ستنجح بروكسل في إعادة تعريف حدود النفوذ الرقمي العالمي عبر قانون DSA، أم سيعيق ماسك قدرتها على فرض الرقابة؟
"إكس" تحت ضغط أوروبا: هل الثقة الرقمية واجب أم سلعة؟
تصميم "النهار".
Smaller Bigger

لا تبدو الغرامة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على منصة إكس، بقيمة 120 مليون يورو، وفق قانون الخدمات الرقمية، مجرد عقوبة مالية على انتهاكات تقنية، بل هي مؤشر إلى صدام أعمق بين نموذجين مختلفين لإدارة الفضاء الرقمي: نموذج يميل إلى إعطاء المنصات حرية واسعة في الإدارة، مقابل نموذج يعتمد على التنظيم الصارم والشفافية الإلزامية.

 

لماذا كانت العلامة الزرقاء محور الأزمة؟

إحدى القضايا التي استند إليها الاتحاد الأوروبي هي أن تحويل العلامة الزرقاء إلى خدمة مدفوعة أدى، برأي بروكسل، إلى تشويش هوية المستخدمين وإضعاف القدرة على التمييز بين الحسابات الموثوقة وتلك المدفوعة.

هذا التحوّل لم يكن مجرد تعديل في واجهة الاستخدام، بل إعادة صياغة لآلية الثقة الرقمية التي تعتمد عليها المؤسسات، الباحثون، والصحافة، وغيرهم.

من وجهة نظر الاتحاد، يُعدّ هذا "تصميماً خادعاً"، وهو مفهوم أساسي في قانون الخدمات الرقمية، يهدف إلى مواجهة الأساليب، التي تدفع المستخدم لاتخاذ قرارات غير مدروسة أو مضلّلة.

 

في هذا الإطار، يوضح الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي، أمين أبو يحيى، في حديث لـ"النهار"، بأن المستخدم عندما يرى العلامة الزرقاء، فهو يفترض تلقائيّاً أنّ الحساب تمّ التحقّق من هويته فعلاً. أمّا حين تتحوّل العلامة إلى خدمة مدفوعة بلا عملية تحقق حقيقية، فإنّها تمنح شعوراً زائفاً بالثقة.

 

ويرى أن المشكلة ليست في "العلامة" نفسها، بل في الانطباع الذي تخلقه المنصّة لدى الجمهور، مضيفاً "عندما تصبح الثقة سلعة تُباع، يتحوّل التوثيق إلى تضليل، ومن هنا تستند المفوضية إلى أساس قانوني صلب في اتهامها".

 

 

المصدر: Canva / AP
المصدر: Canva / AP

 

 

صراع على "الشفافية"

بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، الشفافية تشمل معلومات دقيقة عن الإعلانات، الممولّين، طرق عرض المحتوى، والوصول البحثيّ إلى البيانات العامة. أيّ خلل في هذه العناصر يُعتبر انتهاكاً مباشراً لـDSA.

بالنسبة إلى إيلون ماسك، الشفافية هي في تقليل تدخّل الشركات في الإدارة التحريرية للمحتوى، وفي تشجيع حرية التعبير إلى أقصى درجة ممكنة، حتى لو أدى ذلك إلى فوضى في التحقق من الهويّة أو اتساع انتشار المعلومات المضلّلة.

 

هذا التباين يعكس صراعاً تنظيمياً: هل شفافية المنصّات تعني الإفصاح والرقابة القانونية أم أن الشفافية يجب أن تعني السماح للمستخدمين في التعبير بحرية من دون رقابة؟

 

في السياق، يشير أبو يحيى إلى أن "الشفافية ليست شعارًا تُعلّقه المنصّات على واجهتها، بل منظومة متكاملة من الممارسات". ويفصّل "أولاً، يجب أن يكون هناك تحقّق حقيقي من الهويّة قبل منح أي علامة توثيقاً. ثانياً، ينبغي على المنصّة أن تنشر مستودعاً علنياً للإعلانات يوضّح مَن يكون المموّل، وماذا يروّج، ومن الجمهور المستهدف. وثالثاً، لا بدّ من إتاحة وصول الباحثين والصحفيين إلى بيانات عامّة تساعدهم على مراقبة الخطاب الرقمي".

 

ويرى أن "المستخدم حين يفهم سبب رؤيته إعلاناً معيّناً، أو من يقف وراء حساب موثّق، عندها فقط يمكن القول إنّ المنصّة شفّافة".

 

 

ادعاء "الصفقة السرية".. نقطة تحول سياسية

عندما اتهم ماسك الاتحاد الأوروبي بمحاولة عقد "صفقة سرية وغير قانونية" معه، تحوّلت القضية إلى نزاع سياسي ولم تبقَ مجرد جدل تنظيمي. حتى لو أنكرت بروكسل ذلك، فإن الاتهام بذاته يكشف عن انعدام ثقة متزايد، وعن صراع بين شركات التكنولوجيا الكبرى وصنّاع السياسات.

الأمر يفتح الباب للتساؤل: هل التنظيم الأوروبي مجرد تشديد قانوني أم أصبح أداة سياسية لإعادة رسم حدود النفوذ الرقمي العالمي؟

 

الولايات المتحدة تدخل على الخط.. ما وراء الغرامة

غضب بعض المسؤولين الأميركيين لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الأوسع. فواشنطن ترى أن أوروبا تستخدم قوانين حماية البيانات والمنافسة وDSA للضغط على الشركات الأميركية العملاقة، من "ميتا" إلى "أبل" و"إكس".

أما نجاح بروكسل في فرض التزامات جديدة فقد يغيّر شكل منصات التواصل، بينما مقاومة ماسك، وإن كانت فردية في ظاهرها، فتمثل توجّهاً أوسع لدى شركات التكنولوجيا التي تخشى التدخل الزائد.


وهنا يعتبر أبو يحيى أن المنصّات تقف بين ضغطين متناقضين: التنظيم والحرية. لكن الحقيقة أنّ التنظيم ليس خصماً للحرية، بل وسيلة لحمايتها من الفوضى. فحين يعرف المستخدم من الذي يتحدّث، ولماذا يملك علامة توثيق، يصبح الفضاء الرقمي أكثر أماناً. ويختم بأن الغرامة ليست عقوبة مالية فحسب، بل رسالة عالميّة تقول:



"المصداقيّة لا تُشترى، والشفافية ليست خياراً…

بل واجب أخلاقيّ وتقنيّ في آنٍ واحد".

 

 

ما يجري اليوم قد يكون مجرد بداية لسلسلة من المواجهات: إذا استمرت إكس في المقاومة، فسنشهد معارك قانونية طويلة تعيد تعريف حدود الـ DSA. وإذا فازت بروكسل قضائياً، فستكون هذه سابقة تلزم باقي المنصات بتغييرات كبيرة. أما إذا كسب ماسك الاستئناف، فسيضعف ذلك قدرة الاتحاد الأوروبي على فرض القانون على المنصات الأميركية.

أيًا تكن النتيجة، فإن القضية تثبت أن الفضاء الرقمي لم يعد مجرد مساحة تقنية، بل مجال صراع سيادي وقانوني وإيديولوجي وسياسي بين قوى دولية.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/8/2025 10:41:00 AM
فر الأسد من سوريا إلى روسيا قبل عام عندما سيطرت المعارضة بقيادة الرئيس الحالي الشرع على دمشق
المشرق-العربي 12/8/2025 5:03:00 PM
تُهدّد هذه الخطوة بمزيد من التفكك في اليمن.
النهار تتحقق 12/8/2025 10:43:00 AM
الصورة عتيقة، وألوانها باهتة. وبدا فيها الرئيس السوري المخلوع واقفا الى جانب لونا الشبل بفستان العرس. ماذا في التفاصيل؟ 
النهار تتحقق 12/8/2025 2:57:00 PM
الصورة حميمة، وزُعِم أنّها "مسرّبة من منزل ماهر الأسد"، شقيق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. ماذا وجدنا؟