سلطة الدول مقابل خصوصية الفرد: هل تنجو بياناتنا؟
أعاد تهديد روسيا بحظر تطبيق واتساب مسألة أمن البيانات الرقمية إلى الواجهة مجدداً. فقد حذّرت هيئة تنظيم الاتصالات الروسية (روسكومنادزور) في الأيام القليلة الماضية من أنها ستواصل فرض القيود على خدمة الرسائل النصية المملوكة لشركة ميتا بلاتفورمز، وقد يصل الأمر إلى حظر كامل للتطبيق إن لم يمتثل للقانون الروسي.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا بدأت في أغسطس/آب الماضي فرض قيود على عدد من المكالمات الصوتية عبر تطبيقي واتساب وتليغرام، متهمةً التطبيقين بعدم مشاركة المعلومات مع سلطات إنفاذ القانون في قضايا الاحتيال والإرهاب. وأكدت روسكومنادزور أن "إذا استمرّت خدمة الرسائل في عدم تلبية متطلبات التشريعات الروسية، فسيتم حظرها بالكامل".

منصّات التواصل وطلبات الحكومات: ما يُكشف وما يُخفى
في حديثه مع "النهار"، تناول عبد قطايا، مدير البرنامج الإعلامي في SMEX للحقوق الرقميّة، مسألة تعامل شركات التواصل الاجتماعي مع الطلبات الحكومية، مشيراً إلى أن هذه المنصّات، مثل واتساب، تلتزم بالقوانين المحلية للدول التي توجد فيها، وتستجيب لبعض الطلبات القضائية، وليس لكل الطلبات. وكانت هذه البيانات سابقاً تُنشر ضمن تقرير الشفافية "Transparency Report"، لكن حالياً توقفت بعض الشركات عن ذلك. وأوضح أن آخر تقرير شفافية على سبيل المثال أشار إلى أن إسرائيل كانت الدولة الأكثر طلباً للبيانات من واتساب.
أما عن نوع البيانات التي يمكن للمنصّات تقديمها للحكومات، فأكد قطايا أن محتوى المحادثات مشفر، بما في ذلك الرسائل والاتصالات الصوتية، وبالتالي لا يمكن الاطلاع عليها. لكن يمكن تزويد الحكومات بالبيانات الوصفية "Metadata"، مثل مع من تحدّث المستخدم، التوقيت، الأجهزة المستخدمة، والموقع.
وأشار إلى أن معظم الطلبات الحكومية المقدمة تكون لأسباب تتعلق بالتحقيقات الجنائية أو الأمنية، مثل الاحتيال أو الإرهاب، وحتى لبنان يقدّم طلبات قضائية مماثلة.
وعن الوضع في روسيا، أوضح قطايا أن منصّتَي واتساب وتليغرام، ترفضان حالياً تقديم هذه البيانات للحكومة. أما عن حظرها، فذكر أن تطبيق واتساب محظور اليوم بالفعل في عدة دول، مثل الصين وكوريا.
واستذكر قطايا تجارب دولية أخرى، مثل فرنسا، حيث أُجبر مؤسّس تليغرام على كشف عناوين IP للمستخدمين بعد اتهامات بعدم التزام المنصّة بالإشراف على المحتوى. وأشار إلى تجربة نظام التشغيل المشفّر "Graphene OS"، الذي رفضت الشركة المنتجة له تزويد الحكومة الفرنسية بأيّ بيانات، فأُغلقت سيرفراتها في البلاد، ونقل العمليات إلى كندا وألمانيا.
جزء من الصراع
غالباً ما تُصبح شركات التكنولوجيا جزءاً من الصراعات السياسية والأمنية العالمية، خاصةً عبر تقديم بيانات المستخدمين التي قد تُستغلّ لأغراض عسكرية أو سياسية. فقد كشفت تقارير الشفافية الأخيرة لشركة ميتا أن إسرائيل كانت من أكثر الدول طلباً للبيانات، وقد أظهرت عدة تقارير سابقة تعاون الشركة معها في هذا الصدد. يعكس ذلك كله التأثير السياسي المحتمل من جهة والضغط الحكومي الذي يمارس من جهة ثانية على عمل هذه الشركات وقرارها.
ومع تصاعد هذه التحديات، يبرز التساؤل: إلى أي مدى يمكن للمستخدمين الاعتماد على شركات التكنولوجيا لحماية أمن بياناتهم وخصوصيتهم في ظل الصراعات السياسية والأمنية المتزايدة؟
نبض