2001-07-19

هل ما تعيشه اليوم منطقة الشرق الاوسط وبالأخص مناطق الحكم الذاتي هو حالة جنونية أم مخطط مدروس و”عاقل” لرئيس الحكومة الاسرائيلية آرييل شارون؟

يقول بعض المراقبين ان المرحلة التي تمر بها المنطقة قد تكون في اهمية ما حصل في فلسطين لنصف قرن خلا. بمعنى آخر، قد نكون على عتبة تغيير مفصلي في حياة الشرق الاوسط بدءاً بالاراضي المحتلة مروراً بلبنان وسوريا والاردن وصولاً الى العراق وربما ايران.

الصفحة الأولى من عدد 2001-07-19.

ومما لا شك فيه ان حالة “الجنون” الاصولية التي نعيشها هنا وهناك تخدم مباشرة السياسة الشارونية وتقوي مركز رئيس الحكومة الاسرائيلية داخل اسرائيل.

وعدم وجود سياسة اميركية شرق اوسطية واضحة يساعد رئيس الحكومة الاسرائيلية على الاستمرار في تنفيذ مخططاته، حتى ان البعض تساءل اذا ما كان هذا الغياب مقصوداً اميركياً كي لا تبدو الادارة الجديدة متورطة في ما يحصل، مع العلم انها قد تستفيد من بعض نتائج هذا السيناريو الشاروني الجنوني. فأميركا كانت دائماً تستعمل الاصولية لتضرب بها الشيوعية، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي بدأت الولايات المتحدة تحاول الافادة مما زرعته من حركات اصولية كي تستعملها فزّاعة لبعض الانظمة المتحالفة معها من اجل فرض ارتباط كلي بالسياسة الاميركية، لمواجهة التيارات الاصولية التي كانت وما زالت تهوّل وتهدد الانظمة العربية بالذات.

ولكن لا شك ان الاصولية سيف ذو حدين، مما يعني ان السحر قد ينقلب على الساحر، لذلك الاصولية سلاح مرحلي قد تستعمله الولايات المتحدة واسرائيل لمهمة مرحلية سرعان ما تضع حداً له بعد اتمام هذه المهمة وقبل ان تفلت اللعبة من ايدي اللاعبين.

   وانطلاقاً من هذا الواقع يعتبر المراقبون ان مصالح حركة “حماس” و”حزب الله” واسرائيل تتقاطع ولو لم يكن هنالك علاقات مباشرة بينهم. فهذه التيارات الاصولية تعيش بالتطرف الاسرائيلي، والعكس صحيح. من هنا يعتبر المراقبون ان اسرائيل تستعمل اليوم “حماس” ليستمر الوضع متأزماً في الضفة، مما يجعلها تستمر بدورها في ضرب مناطق الحكم الذاتي وتدمير كل البنى التحتية للدولة الفلسطينية بالاضافة الى ضرب الوضع الاقتصادي والاجتماعي وخلق اجواء عدم استقرار، فاسرائيل تخاف من السلام والاستقرار الفلسطينيَّيْن.

من ناحية اخرى، قد تستعمل اسرائيل جماعة “حماس” وبعض الحركات الاصولية لتحريك الشارع العربي كردّ فعل على ما يحصل في الضفة، وتحريك الشارع العربي يعني خلق حالة عدم استقرار وتهديد للانظمة العربية من الداخل، مما يساعد “اسرائيل شارون” في تنفيذ مخططها التفتيتي للعالم العربي على نحو اسرع وأفعل.

وفي هذا السياق قد تحرك اسرائيل مجموعات “حماس” والمتطرفين الاصوليين داخل الاردن بغية اسقاط النظام هناك بين ايدي هذه المجموعات الفلسطينية، مما يساعد شارون في نقل الدولة الفلسطينية من الضفة الى الاردن بعد التدمير والقصف والتشريد وفتح بوابة عبور نحو “فلسطين الجديدة”. وفي نظر شارون ان التطور الديموغرافي الفلسطيني يشكل خطراً على اسرائيل ومن الاسهل تهجير من يمكن تهجيره اليوم بدلاً من تهجير الملايين بعد خمس سنوات.  

 وفي الوقت نفسه، ومن خلال التصعيد في الشرق الاوسط، قد تستفيد اسرائيل من اي تدخل عراقي مباشر في هذا النزاع يستتبع تدخلاً اميركياً مباشراً ضد العراق لتغيير الاوضاع فيه بحجة الدفاع عن مصالح الخليج والمصالح الاميركية فيه، في وجه حرب تشنها بغداد، وهذا قد يجعل اميركا تخرج من مأزق سياسة الحظر التي بدأت تفقد التأييد الدولي.

مع العلم ان البعض يعتبر ان صدام حسين بقي على رأس النظام في العراق، لأن اميركا ارادت ان يبقى فتستعمله اداة تهويل في وجه دول الخليج. فهل انتهى دوره؟ وهنا لا بد ان نقول إن سقوط صدام، مع نشوء دولة فلسطينية في الاردن، قد يسهل ايضاً نقل بعض الفلسطينيين الى العراق، والى المناطق الحدودية مع السعودية.

بمعنى آخر قد يقطع الانتشار الفلسطيني هناك العمق الشيعي بين السعودية والعراق وايران.

   اما على المستوى الايراني فلقد بدأت اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية تحضران الاجواء الدولية لتوجيه ضربة الى ايران وبالاخص الى المتطرفين هناك التابعين لخامنئي الذي يستفيد اليوم مباشرة وعلى حساب تيار الرئيس خاتمي من التصعيد في المنطقة.

فبعدما فشل التيار التقدمي في ايران في ضرب التيار الاصولي قد تحاول الولايات المتحدة واسرائيل ضرب هذا التيار عبر اتهامه بمساعدة جماعة “حزب الله” و”حماس” عن طريق سوريا. فأي ضربة لايران الاصولية ضمن سيناريو شامل للمنطقة قد تصب في خانة خط الرئيس خاتمي المشلول في الوقت الحاضر. وما يقال عن السلاح النووي الايراني يذكرنا بما كان يقال عن العراق قبل حرب الخليج.

   اما ما يسمى “الطريق السورية” المستعملة لتزويد “حزب الله” السلاح في لبنان ودعم كل تحركاته، فلا شك ان العلاقة بين اميركا والنظام السوري الجديد ليست كما كانت ايام الرئيس حافظ الاسد عندما كان الدعم الاميركي مطلقاً، بل كان التكليف الاميركي لسوريا واضحاً.

وربما ان غياب السياسة الاميركية الشرق الاوسطية، بالاضافة الى السياسة السورية الجديدة المتهمة اميركياً بالتحالف الكلي مع العراق ومع ايران والاصوليين وعدم تنفيذ الوعود التي يقال ان النظام السوري الجديد قد قطعها للادارة الاميركية، كل هذا ساهم في جعل الولايات المتحدة تخفف من حماستها لنظام بشار الاسد واتاح لاسرائيل توجيه الاتهامات المباشرة الى سوريا فضلاً عن الضربات المباشرة لقواتها في لبنان.

ان شارون قد يستفيد من هذه العلاقة المتردية بين اميركا وسوريا ومن دعم سوريا ل”حزب الله” ومن اشعال جبهة مزارع شبعا ليوجه ضربة الى النظام السوري مدغدغاً حلمه بتقسيم سوريا دويلات طائفية وب”تصفية” مسألة الجولان. وقد تبدأ المواجهة الاسرائيلية - السورية المحتملة من الارض اللبنانية، وخصوصاً اذا صُعّد الوضع على جبهة مزارع شبعا، فيكون الرد الاسرائيلي على مراكز سورية ورد “حزب الله” على المستوطنات، ثم رد اسرائيلي على الحدود السورية - اللبنانية، وربما ترد سوريا بصواريخ تصيب عمق اسرائيل. كذلك الحال بالنسبة الى العراق. مما يجعل اسرائيل ترد على الداخل السوري والداخل العراقي وصولاً الى “الاحتمال الاردني” و”الاحتمال العراقي” و”الاحتمال الايراني”… والتدخل الاميركي على خلفية “حماية” المنطقة بأسرها.

   اما لبنان، فهو كالعادة “الساحة”. وهنا يمكننا ان نقول ان اسرائيل استفادت مباشرة من عدم ارسال الجيش الى الجنوب عبر استمرار تأمين حالة اللااستقرار والتصعيد العسكري والسياسي من خلال “حزب الله” مباشرة. وهكذا يكون السحر قد انقلب على الساحر السوري الذي اعتبر انه يستفيد من الفوضى في الجنوب.

وحالة الفوضى هذه استغلتها اسرائيل ايضا لاضعاف مصداقية الامم المتحدة من خلال قضية “الفيديو”، بعدما كان لبنان وسوريا طعنا بمصداقيتها حول تطبيق القرار 425.

واضعاف هذه المصداقية يساعد اسرائيل في التذرع لرفض المراقبين الدوليين المقترحين لفرض وقف اطلاق نار في الضفة، أو لأي دور مستقبلي بينها وبين الفلسطينيين. نعم، لقد استفادت اسرائيل وستستفيد من الفلتان في الجنوب الناتج من عدم ارسال الجيش بضغط من سوريا ومن “حزب الله” بدءا بتصوير الامم المتحدة قوة قاصرة مقصرة او متورطة بدل ان تكون محايدة.

وعلى افتراض تحقق شيء من هذا السيناريو، فقد تستفيد اسرائيل من عدم وجود الجيش اللبناني على الحدود اذا ارادت ان تفتعل مشكلة مع العرب الاسرائيليين، عرب ال 1948، بهدف ترحيلهم الى لبنان عبر الحدود “الفلتانة” في منطقة الشريط الحدودي.

   قد يقول قائل ان هذا السيناريو مستحيل، وانه بعيد كل البعد عن الواقع، وان اميركا لا يمكن ان تسمح بأن تتغير خريطة المنطقة. لا شك انه سيناريو جنوني، ولكن مما يعزز الظن انه ممكن الحصول في غياب السياسة الاميركية الخارجية، وتصعيد الوضع العسكري في الضفة، وتصعيد لهجة التيارات الاصولية في المنطقة واعتمادها لغة تذكرنا بأيام اللاءات الثلاث، والكلام عن الدور الايراني والتورط السوري والتقصير اللبناني والتهديد العراقي.

… فضلا عن ان حلم شارون قد يكون خلق منطقة شرق اوسطية مبنية على نظام الاقليات وخلق كونفيديرالية بين الاقليات الطائفية، بل المذهبية، تماماً كما حصل في البلقان بمباركة دولية، مما يريح اسرائيل في الدفاع عن وجودها ككيان ديني عنصري لا يمكن ان يتعايش مع اي طائفة اخرى. وبالاضافة الى ذلك كله، ما قد يساهم وعلى نحو فعال في نقل هذا السيناريو الى نطاق الممكن، حالة الضعف والتخاذل السائدة في الانظمة العربية، بدءا بلبنان، وعدم قدرتها على اجراء قراءة استراتيجية واضحة ولا حتى على رسم استراتيجيا موحدة للعالم العربي.

فبينما اسرائيل تعمل لتنفيذ مخطط شامل خدمة لمصالحها في وجه العرب، يعمل العرب على ضرب بعضهم البعض والتآمر بعضهم على بعض.    … منذ اكثر من نصف قرن والمؤامرة الاسرائيلية مستمرة… ولكن الافظع هو انه منذ اكثر من نصف قرن ومؤامرات العرب على العرب مستمرة… وافظع الافظع هو استمرار الجهل والغباء العربي، وهذا لعله افظع من المؤامرة الاسرائيلية بذاتها!