"بريك"... جدران "بشرية" من طوب أسود
كثيرة هي الجدران حولنا، بعضها حقيقي والآخر وهمي. قد تكون داخلية من صنعنا أو خارجية من نتاج الآخرين. قدّ تمثل حداً أو حدوداً، وربماً سجناً أو حاجزاً، وأحياناً عائقاً أو حجاباً، أو حمايةً حتى... كل هذه الاحتمالات التي لا تنتهي، يطرحها فيلم الخيال العلمي والتشويق "بريك" Brick الألماني على شبكة "نتفلكس"، للمخرج فيليب كوخ، الذي شاركه الكتابة والتأليف كريس رايدن، ومن بطولة ماتياس شفايغوفر، روبي أو. في، فريدريك لاو، سالبر لي ويليامز، مورثان موسلو، سيرا آنا فال، أكسل فيرنر، ألكسندر باير، جوزيف بيروسك...
تنطلق الأحداث من مشهد عادي بين امرأة (أوليفيا) تحاول جذب شريكها (تيم) الغارق في العمل حتى أذنيه، خارج دائرة طويلة وروتينية من وضع جاف وكئيب في حياتهما إلى تغيير جذري، من أجل إعادة إحياء ما بينهما. لكن رفضه يدفعها إلى اتخاذ قرار هجره نهائياً. تفتح باب الخروج، لكنه موصد بحجارة من الطوب الأسود، على غرار كل المخارج من نوافذ وأبواب. يسود الهلع شيئاً فشيئاً، مع شعور بأن الأمور ستزداد غرابةً، ولا سيما مع اتباع أسلوب في التصوير السينمائي وتصميم الصوت يفيدان الشعور بأن شيئاً صادماً حقاً يحدث، في نمط يستمر حتى النهاية بإثارة الفضول، ولكن مع لحظات توتر متقطعة غير ثابتة.
.jpg)
يكتمل الحصار، مع استحالة تدمير الطوب، مع انقطاع الماء وكافة أشكال التواصل مع العالم الخارجي، من شبكة هاتف وإنترنت... تبدأ رحلة البحث عن مهرب لتخطي "الجدران السوداء"، ليظهر حلٌ لم يجدِ، من خلال تكسير الحيطان الداخلية للولوج إلى شقة الجيران، حيث يجدان ثنائياً عاشقاً وغارقاً في تعاطي المخدرات ومحاصراً على غرارهما، ثم ينتقل الجميع إلى تكسير الأرضية الخشبية، علّ النجاة تنجح في طريق عمودية بعد أن فشلت أفقياً. وتستمر خطة النزول، حيث اللقاء بجدّ وحفيدته المراهقة، قبل لقاء رجلين في الطابق الأسفل، أحدهما جثة هامدة، بعد أن اكتشف طريقة إزالة الجدران.
يتقدم الفيلم بوتيرة مُتسارعة، مع انتظار التحدي المقبل، مع تخفيف أو تهدئة مشاهد الحركة بروح دعابة خفية، ولا سيما من خلال الثنائي العاشق والمدمن. في هذا المسار، مع اكتشاف كل شخصية جديدة، أو ثنائية من الجيران تلعب بين الحذر والتهور، والتأمل والحماس، يركّز الفيلم مع مشكلة الحصار كلغز مشوق ودائم، إلى العلاقة بين الأفراد وشياطينهم الداخلية، حيث يظهر رويداً رويداً في علاقة "تيم" و"أوليفيا" مثلاً أنهما خسرا مولوداً قبل سنوات، في حادث لاحقهما على ما يبدو في باقي أيامهما. يمنع حرق الأحداث ذكر المزيد منها، ولكن النهاية التي تشهد خروج الزوجين بسلامة من المبنى، إلى مدينة محاصرة بكامل مبانيها بالحجارة السوداء، تظهر أن هذه الحيطان، هي بجدارة استعارة سينمائية عن الجدران التي يبنيها البشر غالباً بلا داعٍ منطقي، حتى تدّمر حيواتهم، على غرار هروب "تيم" إلى العمل من مأساته الشخصية مع "أوليفيا"، وعدم تجرّئه على الحديث أبداً عن خسارتهما، حتى شاد الجدار فعلياً معها، دافعاً إياها إلى النفور والانفصال عنه.
ولا بد من الإشارة إلى أن الفيلم يتقاطع في جوانب عدة مع أفلام أخرى، مثل "إسكايب روم" و"ماتريكس" و"كيوب" و" فيفاريوم".
نبض