قصة كتاب: هكذا استعاد الجيش الأميركي الابتكار لدى عناصره
لم يلاحظه أحد. كان يتقدم بخفة. هذا ما تدرب عليه أساساً. أراد التأكد من إشاعة.
راح يرصد ما إذا كان مركزٌ للأبحاث قد اكتشف منطقة من الدماغ ألهمت إبداعَ كُثر: من فان غوغ إلى ستيف جوبز. تبين أن الإشاعة تستحق الاهتمام. يعمل "مشروع السردية" التابع لجامعة أوهايو على إعادة صقل الحدس والمخيّلة والعاطفة والحس السليم. إن الحدس الذي ساهم في نجاة العقيد الأميركي من الحروب دفعه لتفحص البرنامج. كان هذا في آذار/مارس 2021.
في كتابه "الذكاء الأولي: أنتم أذكى مما تعتقدون" (آب/أغسطس 2025)، يذكر أستاذ علم القِصة في المركز الجامعي نفسه أنغوس فلتشر كيف أجرى أبحاثه بالتعاون مع وحدات بالغة السرية ضمن العمليات الخاصة في الجيش الأميركي، ثم تم تطبيقها على ميادين اجتماعية أخرى، وبنتائج لافتة. يحطم الكتاب عدداً من "الأصنام الفكرية"، مثل أن الذكاء يساوي المنطق وحسب. فالمنطق عالق في الماضي، والبيانات.
"يَحسب المنطق ما هو مرجح، (بينما) تولّد القصة ما هو ممكن".
بين الرياضيات والواقع
يضيف فلتشر الذي درس علم الأعصاب والأدب: "بينما لا يخطئ المنطق في مسائل الرياضيات، تستطيع القصة (التي تغذي وتتغذى من الذكاء الأولي) التفوق عليه في مشاكل الحياة". وكان هذا أحد أسباب استدعاء وحدة العمليات الخاصة لفلتشر. لقد كان المجندون أذكياء في حل الرياضيات واختبارات معدلات الذكاء، لكنهم فشلوا في الميدان.

بالمناسبة، "الأطفال يتصرفون بذكاء أكبر من الذكاء الاصطناعي". فعلى عكسه، هم "قادرون على أداء عملية ذهنية بسيطة: يستطيعون معرفة ما لا يعرفونه". فـ"المنطق موجود في الحاضر الرياضي، حالة أبدية من المعادلة تدفع الذكاء الاصطناعي إلى التفكير بأن معرفته الحالية هي كل ما عرفه، وكل ما سيعرفه على الإطلاق".
من "الحكم التقليدية" التي يحاول الكاتب تصحيحها اعتبار المخاوف أمراً سلبياً. القلق هو عندما يقول لك الدماغ إنك لا تملك خطة. في الحرب الباردة، عندما تخلت أميركا عن القلق بفعل اتكالها على ترسانتها النووية، وجدت نفسها أمام لحظة "سبوتنيك" السوفياتية. فهرعت إلى دراسة جميع الاستراتيجيات الممكنة والمتضاربة، بدءاً من التفكير باختراع عشرات أنواع الصواريخ دفعة واحدة وصولاً إلى تمويل أسطول من الفيلة الميكانيكية لمواجهة السوفيات في الغابات المطيرة.
المدارس والجامعات... مشكلة
ينتقد فلتشر أساليب التدريس المعاصرة التي تركز على المنطق، وهو أساساً مكمن تفوق الآلة، بينما تجرّد الإنسان تدريجياً من ميزاته الطبيعية التي تجعله متفوقاً على الآلة في الإبداع. وهذه الميزات هي الحدس الذي يُطلق الخطط، المخيلة التي تشكلها، العواطف التي تستديمها، والحس السليم الذي ينتقي بعضها دون الآخر. تلك القوى الأربع تدعم القصة، وهي الآلية التي أوجدها الدماغ للنجاة والتطور عبر ملايين السنين. بعبارة أخرى، يستند المنطق إلى البيانات. لكن العالم الحقيقي هو بيئة فقيرة بالبيانات حكماً.
استفاد فلتشر من تعامله مع الجيش الأميركي. تعلم مثلاً كيف أن الوحدة الخاصة لم تؤدب متدرباً قام بالدوران حول العوائق بدلاً من تخطيها، طالما أن الهدف كان إطلاق الناقوس قبل نهاية الوقت. ففي الحياة العملية، أكثر من وسيلة لبلوغ الهدف. كما دفعت المتدربين إلى قراءة حروب خيالية، على أنها واقعية، لتحقيق المرونة الذهنية.
سنة 2023، منح الجيش الأميركي فلتشر "وسام التقدير" على "أبحاثه الرائدة". لقد تخطى العناصر الصدمات بشكل أسرع وصاغوا قرارات على المحك بحكمة أكبر.
بات جزء من تلك الأبحاث بين أيدينا، على شكل كتاب؛ وتجارب مثيرة.
نبض