لم تكشف بعد الأهداف الحقيقية وراء الحملة العسكرية الأميركية ضد فنزويلا. يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعه مستشاروه ووزراؤه إن مكافحة قوارب المخدرات المنطلقة من شواطئ بحر الكاريبي نحو الولايات المتحدة هي المهمة. لكن الحشد الاستثنائي للقوات الأميركية يوحي بأن التحضيرات الجارية قد تنتهي بحرب كبيرة.

يتفق باحثون على أن عملية مكافحة قوارب المخدرات لا تحتاج إلى أكبر ناقلة طائرات في العالم، "يو إس إس جيرالد آر فورد" و15 ألف عسكري أميركي ومقاتلات حربية، خصوصاً أن هذه الحشود تسحب من مناطق أكثر سخونة حول العالم كالشرق الأوسط، فيما خفر السواحل كان قادراً على القيام بالمهمة. كما أن العملية لا تشمل المصادر الرئيسية للمخدرات، وهي كولومبيا والمكسيك.

ثمّة احتمالات عدّة للحملة العسكرية الأميركية ضد فنزويلا: الاحتمال الأول هو الرغبة في الضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لتقديم عروض أفضل مرتبطة بالنفط، كونه سبق له أن قدّم عروضاً رفضها ترامب. الاحتمال الثاني هو سعي الولايات المتحدة لشن حرب ضد فنزويلا وتغيير النظام كتكتيك ضمن استراتيجية تأمين "الحديقة الخلفية" في أميركا اللاتينية.

ترامب لم يحسم قراره بعد!
عقد ترامب اجتماعات متتالية في البيت الأبيض خلال الأيام الماضية، ووفق التقارير، فقد راجع الخيارات العسكرية، بما في ذلك استخدام قوات العمليات الخاصة والعمل المباشر داخل فنزويلا. قال إنه "حسم" أمره "نوعاً ما"، من دون الكشف عن موقفه، مشيراً إلى "تقدم" في مجال "وقف تدفق المخدرات".

تتساءل الصحف ومنها "نيويورك تايمز"، عن التفسير الاستراتيجي للحشد العسكري الضخم في الكاريبي، فيما يقول موقع "ذي كرادل" إن السؤال ليس لماذا، بل "لماذا الآن؟". لكن الواقع الذي يجمع الباحثون عليه هو العودة إلى عصر "ديبلوماسية الزوارق الحربية"، وهي عبارة انتشرت في القرن التاسع عشر، حينما استخدمت القوى العظمى قدراتها البحرية لترهيب القوى الأصغر بما في ذلك فنزويلا.

ضغوط
يحاول ترامب زيادة الضغط العسكري لاختبار مادورو وحلفائه الدوليين الصينيين والروس والإيرانيين، والإقليميين في أميركا اللاتينية، والحشود جزء من جهد منسق لزعزعة استقرار النظام الفنزويلي. تقول الجنرال لورا ج. ريتشاردسون، التي كانت حتى خريف العام الماضي رئيسة القيادة الجنوبية للبنتاغون ومشرفة على العمليات في أميركا اللاتينية: "إنها بالتأكيد حملة ضغط".

علم فنزويلا (أ ف ب).

وتنقل الصحيفة الأميركية عن مسؤول أوروبي كبير إن المسؤولين الأميركيين قالوا أنهم "يبالغون" في التصعيد لمعرفة رد فعل مادورو، "على أمل أن يفر" من البلاد أو "يُقبض عليه ويُرسل للمحاكمة". وأضاف المصدر أنه عندما سُئل الأميركيون عن تقييمهم لمخاطر إخراج حاملة الطائرات من الشرق الأوسط، فلم تصدر عنهم أي إجابة.

الجواب بالنفط؟
تقول "نيويورك تايمز" إن ترامب تحدّث "سراً" مع مساعديه حول احتياطيات فنزويلا النفطية الضخمة، المقدرة بـ 300 مليار برميل، وهي الأكبر في العالم. سبق لترامب أن رفض عرضاً سابقاً من مادورو مرتبطاً بالنفط في مقابل عدم اللجوء إلى عمل عسكري. مسؤول كبير في الإدارة الأميركية قال إن المحادثات لم تنتهِ تماماً وأن نشر حاملة الطائرات وسيلة "لكسب النفوذ" على مادورو.

تغيير النظام
مقال "ذي كرادل" يتحدّث عن رغبة أميركية في "السيطرة" على النصف الغربي من الكرة الأرضية، وبالتحديد في أميركا اللاتينية التي تعتبر "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة. هذا الهدف يتحقّق من خلال إسقاط النظام الفنزويلي وتنصيب نظام آخر موال لواشنطن، أو عقد تسوية مع مادورو مرتبطة بالموارد النفطية وسياسة كراكاس الخارجية.

في المحصلة، فإن أهداف ترامب الاستراتيجية في فنزويلا لم تعرف بشكل حاسم بعد، لكن ما هو مؤكّد أنها تتعدّى مكافحة المخدرات لتصل إلى ميادين الطاقة والسياسة. الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حاسمة لمعرفة مصير الصراع الأميركي - الفنزويلي، لكن العين على مناطق أخرى ساخنة حول العالم كالشرق الأوسط وشرق آسيا وتبعات الانسحابات الأميركية منها.