صحة وعلوم 23-11-2025 | 09:49

بيض ديناصورات عمره 86 مليون سنة قد يعيد كتابة تاريخ المناخ القديم

من بين أكثر من 200 موقع معروف لبيض الديناصورات في العالم، لم يُؤرخ بدقة سوى لعدد قليل جداً باستخدام تقنيات مثل الزركون أو حبوب اللقاح الأحفورية. من هنا تأتي أهمية هذا الاختراق.

القاهرة - عبدالحليم حفينة

المصدر: "النهار"

بيض ديناصورات عمره 86 مليون سنة قد يعيد كتابة تاريخ المناخ القديم

عينة من بيضة ديناصور متحجرة مليئة بالكالسيت جرى تحليلها لأول مرة لتحديد عمرها بدقة (الصورة بتصريح من د. بي تشاو)

في كشف علمي مثير، نجح باحثو معهد "هوبي" لعلوم الأرض في تحديد العمر الدقيق لبيض ديناصورات متحجّر باستخدام تقنية حديثة تشبه "الساعة الذرية للأحفوريات". وحدّد العمر الدقيق بنحو 86 مليون سنة، في أواخر العصر الطباشيري.
تفتح نتائج هذه الدراسة، المنشورة حديثاً في مجلة Frontiers in Earth Science، الباب أمام فهم أعمق لتطور الديناصورات وظروف المناخ القديم، بالإضافة إلى فتح آفاق جديدة أمام طريقة ثورية للتأريخ للأحافير القديمة.
ثورة في طرق التأريخ
تقليدياً، اعتمد الجيولوجيون على تأريخ معادن الزركون في طبقات الرماد البركاني المجاورة للأحفوريات. لكن كما يوضح الباحث المشارك في الدراسة الدكتور بي تشاو، من معهد "هوبي" لـ"النهار"، فإن لهذه الطريقة حدوداً كبيرة: "كثير من المواقع تفتقر إلى طبقات الرماد البركاني. وإن وجدت، فقد لا تعكس بالضرورة العمر الفعلي للبيض المدفون".
يضيف الباحث: "هنا، يأتي دور طريقتنا الجديدة، إذ تمكنا للمرة الأولى من تأريخ البيض نفسه مباشرة باستخدام الكربونات ونظائر اليورانيوم-الرصاص".
تقوم تقنية تأريخ اليورانيوم-الرصاص (U-Pb dating) على إطلاق شعاع ليزري دقيق على القشرة المتحجرة للبيضة، ما يحول المعادن الكربونية إلى رذاذ. ثم يقيس مطياف الكتلة نسب اليورانيوم والرصاص في العينات. وبما أن اليورانيوم يتحلل إلى رصاص بمعدل ثابت، يمكن حساب عمر العينة بدقة عالية. ويشبه تشاو التقنية بـ"ساعة ذرية للأحفوريات".
رغم أن تقنية تأريخ اليورانيوم-الرصاص على الكربونات معقدة وتحتاج تجهيزات متطورة لا تتوافر إلا في عدد محدود من المختبرات، فإن فريق تشاو نجح في تطبيقها، بالتعاون مع مختبر النظائر في جامعة شيآن جياوتونغ، المعروف بخبرته في تأريخ الهوابط.

كنز بيولوجي
الموقع الذي احتضن هذا الاكتشاف هو تشينغلونغشان في حوض يونيانغ وسط الصين، أول محمية وطنية لبيض الديناصورات. يضم أكثر من 3,000 بيضة متحجرة، معظمها في مواقعها الأصلية.
من بين عنقود يضم 28 بيضة متحجرة، اختار الباحثون واحدة مليئة بالكالسيت لفحصها. كانت المفاجأة أن هذه البيضة أعطت أول عمر محدد بدقة لبيض ديناصور، ويبلغ نحو 86 مليون سنة، ما يعني أنها وُضعت في أواخر العصر الطباشيري. كما يوضح الدكتور بي تشاو: "لقد وضعنا للمرة الأولى حداً للغموض حول عمر هذه الأحفوريات، ومنحناها تاريخاً دقيقاً يمكن الاعتماد عليه".
اكتشف العلماء أن قشور هذه البيوض لم تكن مجرد غلاف لحماية الجنين، بل أشبه بسجل مناخي صغير يحمل آثار البيئة التي وُضعت فيها. فقد وُجد أن القشرة تحتوي على قنوات مسامية متفرعة وطبقة سطحية كثيفة، ربما عملت كعازل حراري يساعد البيضة على الاحتفاظ بالحرارة والرطوبة في زمن شهد برودة مفاجئة في مناخ الأرض، خلال أواخر العصر الطباشيري.
لكن هذه الميزة لم تكن كافية للبقاء على المدى الطويل. فقد عُثر على هذا النوع من البيوض، المعروف باسم Placoolithus tumiaolingensis، في طبقات رسوبية محدودة فقط، وسط الصين، ولم يظهر في مواقع أخرى مثل حوض نانشيونغ.
ويعلق الدكتور تشاو: "هذا التوزيع المحدود يوحي بأن هذه الاستراتيجية لم تكن ناجحة تطورياً، وأن هذه البيوض كانت حلقة انتقالية قصيرة العمر بين الأنواع الأكثر مسامية في بداية الطباشيري وتلك الأقل مسامية في مراحله المتأخرة".

نحو جدول زمني عالمي
من بين أكثر من 200 موقع معروف لبيض الديناصورات في العالم، لم يُؤرخ بدقة سوى لعدد قليل جداً باستخدام تقنيات مثل الزركون أو حبوب اللقاح الأحفورية. من هنا تأتي أهمية هذا الاختراق.
ويقول تشاو إن الدراسة التي أجراها فريقه تؤكد أن تأريخ الكربونات الحيوية في قشور البيوض طريقة موثوقة لتحديد عمر الترسيب. وإذا طُبقت هذه التقنية على نطاق واسع، يصبح من الممكن أن توفر جدولاً زمنياً عالمياً لتكاثر الديناصورات، وأن تفتح الباب لفهم أعمق لتطورها وانقراضها وعلاقتها بالمناخ القديم.
يرى الباحثون أن هذا الإنجاز لا يتعلق فقط بالديناصورات، بل بتاريخ الأرض كله. ويختتم تشاو حديثه لـ"النهار" بالقول: "لإنجازنا آثار كبيرة على أبحاث تطور الديناصورات وانقراضها، وكذلك على فهم التغيرات البيئية للأرض خلال أواخر العصر الطباشيري. مثل هذه الاكتشافات يمكن أن تحول الأحفوريات إلى روايات حية عن تاريخ الأرض".