"الدكاكين السياحية" تهدد صورة القطاع المطعمي: هل تنجح هيئة سلامة الغذاء في فرض النظام؟
يعيش قطاع المطاعم في لبنان منذ أعوام، نتيجة غياب التشريعات والهيئات الرقابية، فوضى تنظيمية تسيء إلى دوره المحوري في الدورة السياحية خصوصاً والاقتصادية عموماً. فعلى الرغم من أنه يعدّ أحد أبرز القطاعات القادرة على استقطاب الاستثمارات وتوفير فرص العمل، أدت العشوائية التي تسوده، سواء في شروط افتتاح المطاعم أو في مراقبة سلامة الغذاء، إلى تنامي ظاهرة "الدكاكين السياحية" التي تسيء إلى صورة القطاع وسمعة المؤسسات الجدية.
إلى ذلك، وفي غياب تشريعات سياحية حديثة وتشتت الجهات الرقابية، وتراخي بعض المؤسسات في احترام أبسط معايير النظافة، أصبح سؤال أهل القطاع ملحاً عن الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء، التي ولدت قبل 10 أعوام بوصفها المرجع الوحيد المخول الرقابة على السلسلة الغذائية كاملة، بدءا من مصدر المواد الأولية وصولاً إلى تقديمها على طاولة الزبون، أي "من المصدر إلى الشركة".
فنقابة أصحاب المطاعم مارست ضغوطاً متواصلة مع الحكومة الحالية إلى أن صدر مرسوم تشكيل الهيئة في 23 تشرين الأول الماضي، على أن تبدأ عملها فور نشره في الجريدة الرسمية.
يؤكد نقيب أصحاب المطاعم طوني الرامي أن "هذه الهيئة ستكون المرجع الأول والأخير في المحاسبة، وستضع المراسيم التطبيقية لقانون سلامة الغذاء، بما يمهد لبدء مرحلة جديدة من التنظيم العلمي بعيداً من الاستعراض الإعلامي الذي ساد خلال الأعوام الماضية"، لافتاً إلى أن النقابة "سمت ممثلتها في الهيئة، المهندسة والخبيرة الغذائية ماري جوزي شليطا، في خطوة تعكس انخراطها المباشر في ضبط السلسلة الغذائية".
قبل إنشاء الهيئة، كانت الرقابة على قطاع المطاعم، كما يصفها الرامي، "رقابة ذاتية لدى المؤسسات الجدية التي تمتلك أنظمة داخلية لسلامة الغذاء وتصدر علاماتها التجارية إلى الخارج. أما على مستوى الدولة فكانت الرقابة مشتتة بين البلديات، ووزارة الاقتصاد، وحماية المستهلك، ووزارة السياحة، وحتى وسائل الإعلام التي تحولت أحيانا إلى جهات تفتيش، وهو أمر غير منطقي ولا قانوني".
هذه الفوضى جعلت تطبيق القانون انتقائياً، وأتاحت لعدد كبير من المؤسسات غير المهنية العمل من دون التزام المواصفات، ما أدى إلى زيادة التلوث الغذائي وتشويه سمعة القطاع. وبإنشاء الهيئة الجديدة، يفترض أن تنتهي هذه المرحلة بالكامل، ليصبح للقطاع مرجع واحد يراقب ويحاسب ويضع آليات تطبيق موحدة.
التشريعات السياحية... من زمن آخر
يربط الرامي مشكلة سلامة الغذاء مباشرة بغياب تشريعات سياحية حديثة، إذ إن القوانين الناظمة للقطاع تعود إلى "العهد العثماني"، ولم تحدث منذ عام 1970، على الرغم من التطور الهائل في حجم القطاع وتأثيره على الاقتصاد الوطني.
ويشدد على أن التشريعات الحديثة ضرورية لتمييز المؤسسات النظامية من "الدكاكين السياحية" التي تفتتح في أماكن غير مؤهلة، وتعمل من دون احترام للحد الأدنى من شروط النظافة أو متطلبات السلامة العامة.
وقد قدمت النقابة ورقة عمل للمعنيين تطالب فيها بتشريعات جديدة تحمي المستثمر الجدي، وتمنع المنافسة غير المشروعة التي تسيء إلى المؤسسات الملتزمة.
انفجار في عدد العلامات التجارية
يكشف الرامي أن وزارة الاقتصاد سجلت منذ بداية السنة 402 من العلامات التجارية الجديدة في القطاع المطعمي، وهو رقم يرى فيه مؤشراً غير صحي، "لأن معظم هذه المشاريع يطلقها دخلاء غير مهنيين يفتقرون إلى الخبرة، ولا يجرون دراسات جدوى، وتبلغ نسبة نجاحهم أقل من 20%".
في المقابل، تكبر فروع المؤسسات المحترفة، وهو ما يعتبره دليلاً صحياً، "إذ إن توسع انتشارها يستند إلى خبرة حقيقية، لا إلى مغامرات استثمارية تنتهي بعد أشهر قليلة".
فالمستثمر الجدي، في رأيه، "لا يمكنه استئجار أي محل لا يسمح بوجود مطبخ مطابق للمواصفات، أو لا يؤمن مخارج طوارئ، أو لا يضع خزانات الغاز في أماكن آمنة (على السطح أو تحت الأرض، لا داخل المؤسسة كما يحصل اليوم في العديد من السناكـات). لو روعيت هذه المعايير، لما رأينا الفوضى الحالية".
يحدد الرامي 3 معايير لا يمكن أي مستثمر جدي تجاوزها، ولو روعيت لما ظهرت العشوائية التي تغزو القطاع اليوم، أولها سلامة الغذاء: مطابخ مجهزة وفق المعايير، فصل مناطق العمل، التبريد والتخزين السليم. ثانيها، معايير الدفاع المدني: وجود مخارج للطوارئ، وإبعاد خزانات الغاز عن داخل المؤسسات وليس كما يحصل اليوم في العديد من "السناكـات".
وأخيراً السلامة العامة: تصاميم تسمح بإنشاء مطبخ فعلي، وليس تحويل مرأب للسيارات أو مساحة غير مؤهلة إلى مطعم.
يقف قطاع المطاعم في لبنان اليوم على أعتاب مرحلة مفصلية. فإما أن يستكمل مسار الإصلاح عبر تفعيل الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء وتحديث التشريعات السياحية، وإما أن تستمر الفوضى بما تحمله من أخطار على صحة الناس وسمعة لبنان السياحية والاقتصادية.
نبض