داوود عبد السيد فارس "سينما الهموم الشخصية"

ثقافة 27-12-2025 | 16:23

داوود عبد السيد فارس "سينما الهموم الشخصية"

صاحب أفلام من علامات سينما الواقعية الجديدة، لا يتحقّق التجاوز عنده بالتفوّق على النوع، بل بالاتّساق مع النفس.
داوود عبد السيد فارس "سينما الهموم الشخصية"
المخرج المصري الراحل داوود عبد السيد. (غلاف الكتاب)
Smaller Bigger

ينطلق الشاعر والروائي المصري علاء خالد في كتابه "داوود عبد السيد: سينما الهموم الشخصية" (دار المرايا - القاهرة) من البحث عن طرق حضور داوود عبد السيد كنصٍّ سينمائيٍّ داخل الثقافة الشخصية والثقافة العامة. واحتفظ خالد في قراءته لهذا النص السينمائي بالعلاقة التحليلية، ولكن من دون إغفال هذه الوحدة المقدسة بين القارئ والنص، واستبطان معانيه ودلالاته، وسمح لنفسه برصد كلّ الذبذبات المنتجة منها من دون البحث عن تأويل أو تنظير من خارجها، ولهذا أسماها "قراءة شخصية".

داوود عبد السيد (1946 - 2025) بدأ حياته المهنية بالعمل مساعد مخرج في عدد من الأفلام، من أهمها فيلم "الأرض" ليوسف شاهين، و"الرجل الذي فقد ظله" لكمال الشيخ، و"أوهام الحب" لممدوح شكري. وأخرج عدداً من الأفلام التسجيلية الاجتماعية، منها "وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم" (1976)، و"العمل في الحقل" (1979)، و"عن الناس والأنبياء والفنانين" (1980). اختيرت أفلامه "الكيت كات" (1991)، "أرض الخوف" (1999)، و"سائل البحر" (2010) ضمن قائمة أهم 100 فيلم عربي التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2013.

 

غلاف كتاب علاء خالد “سينما الهموم الشخصية“. (دار المرايا)
غلاف كتاب علاء خالد “سينما الهموم الشخصية“. (دار المرايا)

 

ينتمي عبد السيد، الذي أنهى مشواره مع الإخراج السينمائي بفيلم "قدرات غير عادية" (2015)، إلى جيل الواقعية الجديدة الذي اهتمّ برصد تفاصيل الفرد العادي وهمومه الشخصية، بجانب الواقع الذي يعيش فيه، ومن دون انحياز مسبق لنموذج محدّد يُفسَّر من خلاله الواقع وعلاقة الفرد به. وبحسب قراءة علاء خالد، فإنّ الدافع الأهم وراء ظهور هذا الجيل وبهذه الرؤية الجديدة، ربما كان هزيمة 1967 التي أسّست علاقتهم بالسينما على نقد "الواقع القديم" الذي أدى إلى الهزيمة، وإعادة تشكيله. وهكذا ردّ هذا الجل على الهزيمة، كلٌّ بطريقته، عبر إزاحة الستار عن واقع وفرد جديدين.

بين عصرَيْن
هذه الموجة التي ضمّت مع عبد السيد كلّاً من عاطف الطيب، خيري بشارة، ومحمد خان ورأفت الميهي، مثّلت، بحسب علاء خالد، لحظة الانتقال بين عصرين من عصور السينما المصرية؛ وربما أحد أسباب نجاحها وانتشار أفلامها، هو ارتباطها برموز مشتركة مع مجتمع / جمهور مكوّن من أكثر من جيل، وربما يكون آخر جيل يملك هذه الرموز الجماعية.

 

المخرج المصري الراحل داوود عبد السيد. (مواقع التواصل)
المخرج المصري الراحل داوود عبد السيد. (مواقع التواصل)

 

ووفق قراءة علاء خالد الذي يُعدّ أحد أبرز أصوات قصيدة النثر في مصر، فإنّ غالبية من تناولهم داوود عبد السيد في أعماله هم أشخاص يشعرون بالعجز، تحاصرهم ظروف اجتماعية أو نفسية، أو معوقات جسدية، تحول بينهم وبين الإحساس بالتحقق والاندماج مع الجماعة، فيسعون إلى تجاوز هذه الظروف التي تقف بينهم وبين أحلامهم، حتى يتسنّى لهم أن يعيشوا كما يتنمون، "فكرة شبيهة بفكرة الإنسان الأعلى عند نيتشه، ولكنها تتحقق في مجال وسياق مختلفين".

صاحب "الصعاليك"، و"البحث عن سيد مرزوق"، و"الكيت كات" ، و"أرض الخوف"، و"سارق الفرح"، و"مواطن ومخبر وحرامي"، وغيرها من علامات سينما الواقعية الجديدة، لا يتحقّق التجاوز عنده، كما يقول علاء خالد، بالتفوّق على النوع، بل بالاتّساق مع النفس. ويرى خالد أنه عادة ما يتم هذا التجاوز بلحظة استنارة تصادف هؤلاء المحاصرين بعوامل شتى تفضي إلى الإحباط، فيشرعون في مراجعة أنفسهم وحياتهم، بل ونقدهما، بغية الوصول إلى طريق جديد لاستكمال الحياة، بعيداً عن شكل ممارساتهم السابقة، متجاوزين الظروف التي كانت تحاصرهم من قبل، وتعوق إحساسهم بالتحقق، ليوفّروا شروطاً لحياتهم أكثر اتساقاً مع ما يحلمون به لأنفسهم.

المخرج المؤلف
عُرف داوود عبد السيد بكتابة السيناريو لكثير من أفلامه بنفسه، ومنها "الكيت كات" المأخوذ عن رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان، والذي يرى خالد أنه كان يمثّل الحلم الجماعي، في شكل حضور البطل (الشيخ حسني - جسّده محمود عبد العزيز) وممارسته لحياته، حتى ولو لم يكن هدف المخرج هو بث التعاطف معه، ولكنه في الوقت نفسه حدث "سوء تفاهم إيجابي" في زاوية النظر إلى هذا "الرمز المشترك"، ونشأ التعاطف والتمثل له، "ربما يعكس إرادة المخرج، ولكن في مكان جديد، وهو ما تصنعه السينما بخيالنا، تجعله يتمدد ليلامس حلم جماعة، لها ذاكرة عميقة".

 

ملصق فيلم “الكيت كات“. (أرشيفية)
ملصق فيلم “الكيت كات“. (أرشيفية)

 

الفيلم الروائي الأول لداوود عبد السيد "الصعاليك" عُرض عام 1985، ويرى خالد أنّه على الرغم من أنّ هذا الفيلم كان واحداً من موجة أفلام أرَّخت لتحولات حقبة الانفتاح في مصر، "إلا إنك تشعر وأنت تشاهده بسريان نوع جديد من الأحاسيس المتداولة بين أبطاله، والتي لم تكن السينما تفرد لها هذه المساحة، وهذا الاحتفال، وهذه الملحمية".

في "فيلم "رسائل البحر" الذي تدور أحداثه في الإسكندرية، يتكون مفهوم للمدينة بالمعنى الرمزي، بعد أن كانت مدينة كالقاهرة، التي تجري فيها وقائع معظم أفلام عبد السيد، خارج دائرة التمثيل، "لا تشعر بها رغم وجودها، فالمدينة ذائبة وسط الأحداث، لأنه يسعى إلى تكوين أماكن خاصة منفصلة بداخلها" (ص 96). وفي "أرض الأحلام"  - بطولة فاتن حمامة ويحيى الفخراني - فإنه على الرغم من أنّ الحركة تتمّ عبر التنقّل من مكان إلى آخر في ليل المدينة، فالليل وزمن السرد المكثف ضغطا على مساحة المدينة ومفهومها، "حوَّلا المدينة إلى مكان خاص يناسب تجربة البطل. فردية الليل وانفتاحه وإنسانيته وبراحه مقابل جماعية سلطة النهار وما يتخللهامن تنفيذ أعمال ومهام عاجلة للإنسان".

زمن خاص
يرى خالد أنّ كلّ فيلم من أفلام داوود عبد السيد يفرض زمناً خاصاً، له شخصية تشعر كأنّ الزمن أحد أبطال الفيلم، وليس فقط ستارة تتحرك في الخلفية تمرّ أمامها الأحداث، "هذا الحضور العضوي للزمن، والمكثّف، ربما يدلّ على أنّ المخرج يضعه ضمن أولوياته عند بداية التفكير في الفيلم" (ص 90). لاحظ خالد أنّه بداية من فيلم "مواطن ومخبر وحرامي"، بدأت مرحلة جديدة في مشروع داوود عبد السيد السينمائي، لا تشكل امتداداً نوعياً للمرحلة السابقة على هذا الفيلم، ربما هناك أفكار مشتركة، ولكن هناك نزوعاً إلى التجريد مع المباشرة، بين عالم الرموز وعالم الحقيقة. في هذا العمل غابت أيضاً الثنائيات القديمة التي تولد عنها مشروع عبد السيد السينمائي، "بمعنى آخر غاب أحد أطراف الثنائية فحدث عدم التوازن الفكري للأفلام. عاد العالم أحادياً، أو بمعنى ما أصبحت الأفلام تحكي حكاية مكتملة وليس شذرات متفرقة من عدة حكايات".

عموماً، فإنّ في أفلام عبد السيد، بحسب قراءة علاء خالد، كان التمرّد / الصدفة، قطبين متوازيين مع قطبي الاستنارة / الدين. الصدفة هنا، يقول خالد، هي بمثابة رسالة "فيلم "رسائل البحر". قد تصل الصدفة أحياناً لتكون هي أداة التمرّد التي تكشف عن مساحات من طاقة التغيير عند أبطاله. وهي في الوقت نفسه إحدى أدوات تمرّد كوني أشمل من الوعي المتمرّد للطبقة المتوسطة، ربما يخاطب داوود إنساناً آخر كونياً، يقف وراء إنسان الطبقة المتوسطة التي ينتمي إليها".

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/29/2025 6:20:00 PM
القادة هم: أبو عبيدة ومحمد السنوار ومحمد شبانة ورائد سعد وأبو عمر السوري.
اقتصاد وأعمال 12/29/2025 5:34:00 AM
"بات من مصلحة المكلفين التصريح عن مداخيلهم وتسديد الضرائب ضمن المهل القانونية، تفاديا لرفع السرية المصرفية عن حساباتهم"
النهار تتحقق 12/27/2025 11:17:00 AM
لحظة إنقاذ في الحرم المكي استثنائية، "بطولية" في وصف مستخدمين. ماذا عرفنا عن هذه الصورة؟ 
لبنان 12/29/2025 12:37:00 PM
سمير جعجع دعا إلى عدم التصويت لمحور الممانعة أو "التيار الوطني الحر"