وصل "مارتي العظيم" (Marty Supreme)، من إنتاج A24، أخيراً إلى دور السينما، بإطلاقٍ محسوب يستعيد قواعد اللعبة الكلاسيكية: ضجيج عالٍ، حضور محدود، وأرقام شباك تذاكر تلمع منذ العرض الأول.

في عطلة عرضه الافتتاحية، حقّق فيلم الدراما الرياضية للمخرج جوش سافدي - بطولة تيموثي شالاميه في دور بطل تنس الطاولة مارتي ماوزر - إيرادات بلغت 875 ألف دولار، وهو رقم لافت إذا ما قيس بحقيقة عرضه على ست شاشات فقط. معدّلٌ مرتفع لكلّ صالة، كان كافياً ليرفع الفيلم إلى نادي العشرة الأوائل في شباك التذاكر الأميركي، رغم الانتشار الضيّق الذي يكاد يكون استفزازياً.

تيموثي شالاميه في فيلم “مارتي العظيم“. (A24)

لكنّ ما حدث يتجاوز فكرة "افتتاح ناجح" لفيلم. إنّنا أمام أداءٍ من العيار الذي تُبنى عليه خرائط موسم الجوائز. وُصِف المعدّل بأنه الأفضل لهذا العام، وأُشير إلى أنّ إطلاقاً محدوداً بهذا الحجم نادراً ما يقفز مباشرة إلى المراتب الأولى. المشهد يعيد تعريف معنى الندرة في زمن الوفرة، وقد وصف موقع "Boxoffice Pro" هذا الرقم بأنه "أفضل معدّل إيرادات لكل شاشة خلال العام"، مشيراً إلى أن إطلاق "A24" على ستّ شاشات "قذف" بالفيلم مباشرة إلى قائمة العشرة الأوائل، وهو أمر نادر لأيّ عمل يبدأ عرضه في أقلّ من عشر صالات. بدوره، أفاد موقع "TheWrap" بأن العائد بلغ 145 ألفاً و933 دولاراً لكل صالة، وهو الأعلى في تاريخ A24، وأنّ 92 عرضاً نفدت تذاكرها في نيويورك ولوس أنجلس خلال يومي الجمعة والسبت فقط.

الحماسة لا تُفسَّر بالأرقام وحدها، فالحكاية نفسها تحمل مقوّمات النجاح. تدور أحداث "مارتي العظيم" في نيويورك خلال خمسينيات القرن الماضي، وتلاحق ماوزر، الشاب العامل في متجر أحذية، والذي يطارد حلمه بأن يصبح أعظم لاعب تنس طاولة محترف في العالم. الشخصية تستعير ملامحها، على نحوٍ فضفاض، من لاعبٍ حقيقي، لكنها ترفض أن تُحبَس في قالب السيرة. الفيلم أقرب إلى نشيد هوسٍ سريع الإيقاع، يتنفّس على وقع سينما المخرج جوش سافدي الخشنة، حيث الطموح اندفاعة متقطّعة محفوفة بالمخاطر.

تيموثي شالاميه في فيلم “مارتي العظيم“. (A24)

الانغراس في "تقليد سينما نيويورك" لم يأتِ زينةً شكليةً، بل كان خياراً جمالياً واعياً ينعكس في التمثيل، وفي طريقة بناء العالم، وفي الإصرار على ملمسٍ واقعي لا يهادن، وهو ما أشار إليه سافدي في مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس"، مسمّياً أعمالاً مثل فيلم الدراما البوليسي "العميل الفرنسي" (1971). المدينة هنا خلفية للقصة، وكائن حيّ يضغط، يختبر، ويقاوم. ومن دون هذا الإحساس بالامتلاء - بأن الشوارع مأهولة حقاً - يتحوّل السعي إلى ادّعاء، ويبهت الرهان. وسافدي يؤكّد أنّ هذه المراجع وجّهت خيارات عدّة، من بينها التمثيل، في مسعى واعٍ لجعل الفيلم متجذّراً في سلالة سينمائية خشنة، لا مجرّد بطاقة بريدية أنيقة من زمنٍ مضى.

أما شالاميه، فيقدّم قراءة شخصية لفكرة الطموح، لا تخلو من مجازفة. يتحدّث عن قفزة أعلى، وعن رهان مُضاعَف وعودة إلى دافعٍ أوليّ لا يعرف الأمان. هذا الاعتراف يتماهى مع قلب الفيلم: الموهبة شرطٌ لازم، لكنّ الشراهة - للمخاطرة، للاهتمام، ولإعادة الابتكار - هي ما يصنع الحدث. وفي حديثٍ لـ"أسوشييتد برس" قبيل العرض الأوّل، وصف الفيلم بأنّه إعادة غوص في طموحه الشخصي، لكن بثمنٍ أعلى ومخاطرة أكبر.

تيموثي شالاميه في الحملة التسويقية لـ“مارتي العظيم“. (A24)

تعاملت A24 مع الإصدار بوصفه عرضاً أدائياً بحدّ ذاته: الحملة التسويقية تضمّنت عرضاً أدائياً لافتاً يقوده شالاميه، من فيديو "اجتماع تسويقي" زائف على طريقة زوم ينقلب إلى سخرية ذاتية، إلى منطادٍ برتقالي حقيقي كُتب عليه "احلم كبيراً" (Dream Big) محلّقاً فوق لوس أنجلوس. وحوّلت A24 الاستعراض الرقمي إلى تذاكر نادرة، فأصبح الذهاب إلى السينما علامة تميّز اجتماعي أكثر منه مجرّد عادة. إطلاقٌ محدود يحوّل المشاهدة إلى امتياز، ويعيد شحن فعل الذهاب إلى الصالة بمعناه القديم.

في المحصّلة، تتحوّل قصّة إطلاق "مارتي العظيم" إلى بيانٍ صغير عن سوق العروض اليوم. وسط صخب السلاسل التجارية واكتظاظ المواسم، يثبت الفيلم أنّ اجتماع نجمٍ لامع، ومخرجٍ بنبضٍ خاص، وخطة إطلاق محكمة، قادر على أن يمنح فيلماً "فنّياً" سلوك الحدث الجماهيري، حتى قبل أن يبدأ عرضه الواسع.