مسرحية "إنتاج محلّي"... مأساة المهنة في بلد مأزوم

ثقافة 24-11-2025 | 11:51

مسرحية "إنتاج محلّي"... مأساة المهنة في بلد مأزوم

صرخة فنية تتجاوز الخشبة، وكأنها امتداد طبيعي لمعاناة يعيشها عدد كبير من الممثلين والكتّاب والمخرجين في لبنان.
مسرحية "إنتاج محلّي"... مأساة المهنة في بلد مأزوم
يوسف الخال وعمار شلق في مسرحية إنتاج محلي (النهار)
Smaller Bigger

ليست "إنتاج محلّي" مسرحية تُروى أحداثها فحسب، بل تجربة تواجهك بما لا تريد سماعه: عن فن تغيّر، عن مهنة استُنزفت، وعن فنان وجد نفسه محاصراً بين شروط السوق وعبث المنصّات وفوضى الحياة اليومية في لبنان.

 

إنّها صرخة فنية تتجاوز الخشبة، وكأنها امتداد طبيعي لمعاناة يعيشها عدد كبير من الممثلين والكتّاب والمخرجين في لبنان، وفي مقدمتهم بطلا العمل يوسف الخال وعمّار شلق، اللذان فتحا قلبيهما لـ"النهار" في تصريحات تكشف عمق الأزمة.

 

 

مسرحية انتاج محلي (إنستغرام)
مسرحية انتاج محلي (إنستغرام)

 

 

مارك قديح عاد بعد عشرين عاماً من الغياب إلى المسرح، مستلهماً حواراً حقيقياً، لكنه سرعان ما تحوّل إلى مادة تكشف هشاشة العلاقة بين مبدع لم يعد يجد لنفسه مكاناً، ومنتج يحاول البقاء في سوق يزداد قسوة.

 

شخصية جيري، التي يؤديها يوسف الخال، ليست خيالية بالكامل، بل صورة قريبة من واقع الكثيرين الذين وُضعوا على "اللائحة السوداء" أو أُبعدوا عن الشاشة لأسباب تتجاوز الفن.

 

وفي المقابل، يمثّل سامر، الذي يجسّده عمّار شلق، وجه الواقعية المهنية: البقاء وسط انهيار المعايير، والرغبة في الاستمرار رغم الضجيج والفوضى.

 

 

عمار شلق ويوسف الخال في مسرحية انتاج محلي (النهار)
عمار شلق ويوسف الخال في مسرحية انتاج محلي (النهار)

 

في "إنتاج محلّي"، يذوب الخط الفاصل بين المسرح والواقع، ليصبح كل مشهد مرآة تعكس هشاشة الصناعة ووجع أهلها.

 

الإمساك الحقيقي بالعمل لا يكمن في حبكته، بل في موقفه الواضح من انهيار المنظومة الفنية. قديح يضع إصبعه على جرح التحوّل في الدراما، حيث يصبح عدد المشاهدات أحياناً أهم من القيمة، ويعلو "الترفيه الخفيف" على الفكرة.

 

ويذهب أبعد من ذلك عبر جملة تتردد في العمل: "أنتم تخلقون إنساناً جديداً"، إشارة إلى المحتوى الذي يُفرض على المجتمعات لا بهدف التطوير، بل لتفريغ المعنى وتشويه الهوية وإقصاء الأعمال العميقة.

 

ويرى عمّار شلق المسرحية في إطار أوسع من الفن وحده، ويقول لـ"النهار": "الإنتاج المحلي ليس دراما فقط. هو كل ما يُنتَج هنا: من الخبز إلى الكتاب، من الفنون إلى الزراعة. لبنان يعاني من كل ذلك، وهذا العمل يسلّط الضوء على جزء من المشكلة."

 

ويضيف عن التغيير: "لا نعرف إن كان التغيير ممكناً بعد كل الظروف، لكن علينا كعاملين بالكلمة والصورة والمسرح أن نقول رأينا مهما كانت الصعوبات."

 

وعن شخصيته ومساحة التقاءه مع سامر، يوضح: "الإنسان يصبح سوداويّاً عندما يشعر أن لا شيء سيتغيّر. أما أنا، فأراجع وأنتقي، لكنني لا أستسلم لليأس. سامر يريد أن يدخل كل جديد، أما أنا فلست مع كل شيء، لكنني لا أنكمش أيضاً."

 

تصريحات شلق تضيف طبقة فكرية للمسرحية، إذ تجعل من سامر شخصية عقلانية تمثّل الواقعية المهنية مقابل انفعال جيري، وتطرح سؤالاً طالما هرب منه الوسط الفني: ماذا نريد أن نفعل بالهوية الفنية اللبنانية اليوم؟

 

 

يوسف الخال وعمار شلق (النهار)
يوسف الخال وعمار شلق (النهار)

 

يوسف الخال بدوره يظهر تعلّقاً بشخصيته أكثر من أي وقت مضى، ويقول: "قرأتُ النصّ ولم أتردد لحظة. شعرت أن المسرحية تتحدث عني، أو كأنني أنا من كتبها."

 

ويضيف أن التغيير الحالي "لا يعرف أحد أصوله"، وأنّه جزء من "خربطة كبيرة" تكاد تبتلع الهوية الفنية، ما يفسّر حدّة الصرخة التي أطلقها على المسرح.

 

وعن مواجهة القديم بالجديد، يقول: "وجهة نظر سامر: امشِ مع الماشي. أما أنا، فأفضّل أن أموت على أن أذهب في اتجاه لا يشبهني. هذه ليست معركة بين القديم والجديد، بل فرصة لتكاملهما."

 

ويتابع: "نتحدث عن المجتمع والسياسة واليسار واليمين وكل ما يحيط بنا. كل هذه القضايا عشناها فعلاً، ولذلك انسجمت مع النص فوراً."

 

ويختتم بالتأكيد على "الخط الواحد" الذي اختاره في حياته المهنية: "أختار أدواري بما يشبه فكري ومعاييري ونبضي الداخلي. وهذه المسرحية أصابتني في الصميم من الصفحة الأولى حتى الأخيرة."

 

 

يوسف الخال في مسرحية انتاج محلي (النهار)
يوسف الخال في مسرحية انتاج محلي (النهار)

 

المسرحية، التي عُرضت على مسرح "الإليزيه" في الأشرفية، ليست مجرد تجربة فنية، بل وثيقة حيّة عن لبنان: من صوت المسيّرات الإسرائيلية إلى واقع بلد يحاول أن يخلق رغم كل الظروف، ومن صمود الفنان أمام محاولات الإقصاء، وصولاً إلى خشبة تقول الحقيقة الأخيرة بلا "رتوش".


الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/8/2025 10:41:00 AM
فر الأسد من سوريا إلى روسيا قبل عام عندما سيطرت المعارضة بقيادة الرئيس الحالي الشرع على دمشق
المشرق-العربي 12/8/2025 5:03:00 PM
تُهدّد هذه الخطوة بمزيد من التفكك في اليمن.
النهار تتحقق 12/8/2025 10:43:00 AM
الصورة عتيقة، وألوانها باهتة. وبدا فيها الرئيس السوري المخلوع واقفا الى جانب لونا الشبل بفستان العرس. ماذا في التفاصيل؟ 
النهار تتحقق 12/8/2025 2:57:00 PM
الصورة حميمة، وزُعِم أنّها "مسرّبة من منزل ماهر الأسد"، شقيق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. ماذا وجدنا؟