وما في "قاف" فرنساوي!

ثقافة 28-10-2025 | 10:01

وما في "قاف" فرنساوي!

كان "أبو شادي" يحب العربية، وله فيها باع طويل، حتى له محاولات في الشعر الفصيح، فكان فعلياً "شاعر المنبرين".
وما في "قاف" فرنساوي!
الزجال اللبناني الراحل طليع حمدان (وكالات)
Smaller Bigger

مرات كثيرة، شاهدت المرحوم "أبو شادي" في بيتنا. فصلة قربى وشعر وثيقة ربطته بالمرحوم أبي، حتى إني أذكر أنني سمعتهما مراراً، في جلساتهما الخاصة، يتباريان في صنوف الزجل، أو يحدثنا عن أيام الصبا حين كان يتسرب من المدرسة ليستمع إلى معنى شحرور الوادي الذي حفظه عن ظهر قلب.

كان أبي قوالاً "بيتوتياً" ما امتهن الزجل العلني، وآخر مرة غنى فيها على "المرسح" كما كانوا يسمونه في أحد الأعراس في قريتنا عرمون أواخر الخمسينات، بينما استمر المرحوم طليع حمدان في رحلة الزجل، حتى صار أميراً لشعرائه، يزين الجلسات بصوته الجميل، وبمعانيه الجميلة، وصوره المبتكرة.

كان "أبو شادي" يحب العربية، وله فيها باع طويل، حتى له محاولات في الشعر الفصيح، فكان فعلياً "شاعر المنبرين"، قادراً على تزويج الأصالة الشعرية والارتجال الزجلي، وتطعيم اللبناني قولاً بالعربي فكراً. لكن الزجل كان هواه ومنتهاه، برع فيه معنى وقصيداً و"قرادي" ومخمساً مردوداً بلا تردد أو وجل. 

كان أبو شادي خبيراً بطينة المعرفة الزجلية، يشكلها كما تريد بيلسانته الحاضرة غالباً، ويردّها إلى أصلها العربي، مستعيناً دائماً بقدرة ساطعة على إخراج الحروف مرنمةً ترنيماً موسيقياً جذاباً. تمسّك دائماً بثائه وذاله وقافه، حتى عيّره أبو علي زين شعيب، رفيق دربه الدائم، زجلياً في حفلة ببلدة البابلية الجنوبية، بأنه لا يعرف الفرنسية حين كان زغلول الدامور يتغنى بجمال تلك اللغة ومن يرطن بها: "احكي فرنساوي ولا تخاف - يا زغلول بهداوي... وحمدان بيحكي بالقاف - وما في قاف فرنساوي". ذهبت أقاويل تلك الحفلة أمثالاً... "عندك صوت بيحيي الموت"، هذا ما قاله أبو علي، فيما ذكّره أبو شادي بأن "كْرامِةْ أدهم كسرنا – أكبر راس فرنساوي".

رحل أبو شادي أخيراً، تاركاً فراغاً كبيراً في المطارحات الزجلية اللبنانية، ودواوين غزل، وصوتاً سيبقى رناناً في آذاننا جميعاً.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

كتاب النهار 12/10/2025 5:05:00 AM
بمقدار ما كان وقع المفاجأة قويا على "الثنائي" وبيئته، فإن رد الفعل أتى على عجل كما تقول أوساطه
النهار تتحقق 12/8/2025 2:57:00 PM
الصورة حميمة، وزُعِم أنّها "مسرّبة من منزل ماهر الأسد"، شقيق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. ماذا وجدنا؟ 
النهار تتحقق 12/10/2025 10:54:00 AM
ما ستشاهدونه هو سرير بسيط عليه غطاء أبيض موضوع في غرفة متواضعة، وتحته سجادة مهترئة. ماذا عرفنا عن هذه الصورة؟ 
النهار تتحقق 12/10/2025 3:23:00 PM
عذراً على قساوة الصورة. فما سترونه فيها هو وجه منتفخ، متورم، عليه آثار دماء. ماذا الذي وجدناه؟