"إحمل صليبك وامشِ"
ليليان يمين
ليست كلمات المسيح مجرد أمر، بل نداء يهمس في أعماق الإنسان:
أن لا تهرب من ثِقلك، أن لا ترفض جراحك، أن لا تنكر نصيبك من الألم.
الصليب هنا ليس خشبة عابرة، بل رمز كل ما يثقل القلب: الخيبات، الوحدة، فقد الأحبة، صراع النفس مع نفسها. وحين يقول: "احمل صليبك وامشِ"، كأنه يقول: اجعل من جراحك جسراً لا جداراً، ومن ثِقلك طريقاً لا سجناً.
إنها ليست دعوة للاستسلام، بل للشجاعة. أن نواجه وجودنا بوعي لا يهرب، بروح تقبل الحياة بأكملها: الضوء والظلمة، الفرح والوجع. فالمشي هو الاستمرار، هو رفض التوقف عند لحظة الانكسار.
هذا النداء لمسنا صداه في الفلسفة كما في الشعر:
نيتشه، فكرته عن "أمُر فاتي" (حب القدر) تقارب هذه الدعوة: تقبّل الحياة بأثقالها وآلامها لا كشيء ينبغي الفرار منه، بل كشرط لتحقيق الذات العليا.
وحتى عند ألبير كامو، الذي رأى في الإنسان سيزيفاً يدحرج صخرته إلى أعلى الجبل لتعود وتقع وهكذا إلى الأبد يعود ويدحرجها نحو الأعلى ولكنه سعيد لأنه يواجه ألمه ويحتويه. يمكن أن نجد تشابهاً: حمل الصخرة أو الصليب يصبح مصدر المعنى حين يُعاش بوعي وحرية، رغم عبثية العالم.
لكن المسيح يذهب أبعد: إنه لا يكتفي بأن يدعونا لاحتمال الألم، بل يحوله إلى طريق للخلاص، إلى لغة جديدة يرى فيها الإنسان أن الصليب الذي يحمله ليس النهاية، بل بداية القيامة.
"احمل صليبك وامشِ"، كأنها وصية لكل قلب تاه بين ثِقله ورغبته في الحياة:
امضِ، ولا تجعل ألمك يكسر جناحك.
امضِ، ففي صليبك معنى، وفي حملك له طريق، وفي طريقك ضوء، وإن طال الليل.
نبض