كلوي صفير في "غاليري كليم بشارة" في صباح اليوم التالي
منصور الهبر
... وعلى عجل من أمرها، تهجر الفنانة كلوي صفير التعبيرية التجريدية، وتنعطف في توجّه تصويري يقترب إلى حد بعيد من المدرسة التعبيرية الألمانية، وهي حركة فنية نشأت في ألمانيا مطلع القرن العشرين، وامتازت بالتعبير الحاد عن المشاعر والنقد الاجتماعي.
الألوان طاغية، والمشاعر مكثفة، وسط انفعالات داخلية وعاطفية حادة، تُترجم من خلال أشكال مشوّهة ومضطربة. لا تخلو موضوعات كلوي صفير من القلق في المعالجة، والأزمة كما التوتر. فتصويرها مشحون، يتّسم بتضخيم في الخطوط وتباينات قوية بين ظل ونور، ما يعكس تفسيرًا ذاتيًا وعاطفيًا للواقع. وكما تأثر الفنانون الألمان آنذاك بالتطورات التكنولوجية في عصرهم، من التصوير الفوتوغرافي والسينما ووسائل الإعلام، تتأثر صفير بدورها بعالم من الخيال، حيث تتوالد لوحاتها بالأكريليك على القماش، بوصفها رؤيتها الخاصة لفيلم من أفلام ديزني.

تكشف أعمالها عن خفايا المعاناة، إذ تنعكس مشاعر الاغتراب في شخصياتها المشوّهة والمثقلة بالرموز. للوهلة الأولى، يبدو أن صفير تلقي بظلال داكنة على عالم مشرق وملوّن، لكن ما إن يتمعّن المتلقي في الأعمال حتى يبدأ في التماس فقدان دراماتيكي للبراءة.
ترصد الفنانة تلميحات جنسية كامنة في أعماق الفيلم، وتعيد توظيف عالم الفانتازيا، مبرزة السمات الحيوانية التي تتلبّس الآلهة والوحوش.

تمضي كلوي صفير بثقة، وجرأة، وإن ترنحت بعض منجزاتها على مستوى التأليف، فالمجازفة جزءٌ من لعبتها. تكمن جمالية أعمالها في الفوضى، في العفوية والتمرّد الحر. خطوط عريضة، مرسومة بألوان يطغى بعضها على بعض، دون تصحيح، بل في ارتجال محموم.
تركّز على الأثر، على "الخبطة" التي تتركها الفرشاة، فهي لا تستخدم الألوان لمجرد تمثيل الواقع، بل للتعبير عن الداخل، عن المشاعر والحالات النفسية لديها. وعلى عكس المقاربات الطبيعية أو الانطباعية، تستخدم الفنانة اللون بطريقة رمزية، عنيفة، ومتحررة من القيود الواقعية.
المعرض، في مضمونه، تحيّة إلى الفيلم الذي شكّل جزءًا من طفولة الفنانة، لكنه في الوقت ذاته تمرد على واقع مموّه بالمتعة. وأخيرًا، وكما يوحي العنوان ،"صباح اليوم التالي"، فإن الفنانة ترثي ما كان يمثّله الفيلم لها يومًا: ذكرى شيء نقي، مريح، وحالم.

نبض