في روايتها "الهامسون"... هالة البدري تتخذ موقفاً احتجاجياً من العالم!

ثقافة 25-12-2024 | 07:15

في روايتها "الهامسون"... هالة البدري تتخذ موقفاً احتجاجياً من العالم!

في روايتها "الهامسون"... هالة البدري تتخذ موقفاً احتجاجياً من العالم!
لوحة للفنان عكاشة
Smaller Bigger

تنطلق  الروائية المصرية هالة البدري في أعمالها السردية من منظور إبداعي يخلق جدلاً بين سردية المقولات الكبرى، وإطلاق الخيال لطاقات التجريب الفني، هكذا رأينا في معظم نصوصها تقريباً. عايناه في رواياتها "امرأة ما"، "ليس الآن"، "منتهى"، "نساء في بيتي"، "مدن السور" وغيرها.
وهنا في روايتها الجديدة "الهامسون"، والصادرة في القاهرة عن دار بتانة للنشر، نصبح أمام رواية تمزج بين المعلوماتية، والنهل من الثقافة الشعبية، وتفعيل إمكانات الخيال الجمعي، في بنية متجانسة، ديموقراطية الطابع، تنهض في الأساس على سردية الرواة المتعددين، الذين يقدمون جوانب الملحمة الفنية، ويخلقون عبر أصواتهم المختلفة رؤى التشكيل الفني ذي الوجوه المختلفة.
و"الهامسون" اسم فاعل من الفعل همس، يهمس، فهو هامس. وتبدو ثنائية الهامسين والمهموس إليهن حاضرة في الرواية، وتتجلّى الدلالة النصية التي تشير إليها في أكثر من موضع، يأخذ كل منها طابعاً مختلفاً، من قبيل المقطع السردي التالي: "سمعت رجلاً يطلب وساطة سيدنا عند الله ليعود ابنه الغائب، وأخرى تترجّى الشفاعة لتواجه ضيق الحال، وثالث ينادي الله الله يا بدوي. سمعت صوت جدي: أنصت يا خالد. تذكرت هامس الخيل، وكيف يدرك متاعب الفرس بالإنصات إليه، قرأت قصصاً كثيرة عن علاقة الهامسين بالحيوانات، لم أسمع عن هامسي البشر. التقيت منصتين فحسب" ( ص ٣٥).
أما الأهم فإنّ الدلالة الكلية للرواية تظهر أيضاً عبر  تتبع الحكي بمساراته الروائية المتعددة لمحنة/ عجيبة تحدث لنساء أربع: هنية، وعفاف، ودميانة، وكاميليا، اللواتي يظهر على أجسادهن وشم ليس كالوشم المعتاد، وفي أمكنة مختلفة منها، يظهر الوشم، ثم يختفي، ثم يعاود الظهور من جديد، منحوت ومدقوق، وليس بمدقوق، ولا منحوت، ساطع وجلي، يشير  إلى أسماء أولى لشخصيات نتعرف في ما بعد عليها، لتتواتر على الأذرع والكفين ومناطق متناثرة في الجسد أسماء من قبيل ( إبراهيم/ سليمان/ وسعد).

فك اللغز

من اللافت في الرواية تعدد لغات الشخوص داخلها، كما يصبح فك الشفرة/ لغز الوشم معتمداً على تكنيك الرؤية المصاحبة، فاللحظة التي يتعرف فيها خالد/ باحث الدكتوراه،  وقمر الزمان حبيبته على  دلالات الأسماء والرموز هي اللحظة ذاتها التي يتعرف فيها القراء أنفسهم على مراد الدلالة السردية، حيث يصبح تعزيز كفاح الشعب المصري ورفضه التطبيع مع الكيان الصهيوني دلالة مستقرة هنا عبر أسماء دالة من قبيل (إبراهيم ناصف الورداني، وسليمان خاطر، وسعد حلاوة).
تتواتر حكايات النساء الأربع باتساع الجغرافيا المصرية، وتبدو لكل شخصية من الرواة المتعددين لغتها الاجتماعية الخاصة، ويصبح استحضار خطاب باختين هنا مهمّاً من حيث كون الرواية هي "التنوع الاجتماعي للغات"، من هنا مثلاً سنجد اختلافاً في طبيعة الخطاب اللغوي بين الشخوص المتعددين: هنية، عفاف، دميانة، كاميليا، خالد، عباس ماهر، قمر، وغيرهم.
نرى ايضاً التلاحم بين خطاب الشخصية والتكوين الاجتماعي، وهذا يظهر على نحو بارز في خطاب هنية ابنة الحارة  المصرية بغنجها، أو خطاب دميانة الجنوبية الحاد والمباشر، وفي كل مرّة نرى كشفاً للمساحات الإنسانية داخل الشخصيات، بخاصة هنية التي تحيا عالماً مركباً بامتياز، اضطرت فيه إلى فقد خطيبها، والزواج من زوج أختها الراحلة (سلوى)، والتي لم يزل ظلها يسيطر على علاقتها بهاني رغم مضي الزمن.
تستجلي الكاتبة أيضاً كافة إمكانات البيئة المحلية، ويصبح المكان ممثلاً لجانب من البطولة داخل النص، من قبيل تتبعها البيئة المكانية لقمر الزمان، وجدتها الغجرية البغيضة التي استولت على قلب الجدّ الأكبر، وتركت صندوقاً من الأسرار،  مثلما علّمت بنات العائلة القريبة خبايا هذا الفن المغوي (الوشم)، وتصبح قمر الحفيدة العصرية وكأنها المختارة لاستكمال المسار.
تلعب الرواية أيضاً على الغوص عميقاً في سيكولوجية الشخصيات الروائية، مستخدمة الوظيفة التحليلية للسرد، مثلما نرى في فصل "عباس ماهر.. مسرحية في الهواء الطلق": "ظهر الوشم مرّة أخرى على جسم كاميليا. رفضت مسرحيتي الجديدة من إدارة المسرح. تدهورت صحة أبي فجأة ورحل تاركاً لي خمسة إخوة معظمهم ما زالوا في التعليم. تركت الدنيا البشر كلهم وتفرّغت لضربي ضربات محمد علي كلاي في وجه جو فريزر وهو يستعيد اللقب. مررت بهذا من قبل، لكن هذه المرّة كاميليا مسجونة في عالمها، لا تستطيع مساعدتي. قرّرت اليوم أن أفكك ما يحدث حولي حتى يسهل التخلص منه. لا مجال لاتهام مدير القصر، علي صميدة، بأنه وراء الرفض. هذه لجنة فنية من كبار النقاد والمؤلفين. هل أثر فيهم عدم ترشيح عملي للتنفيذ في أي قصر ثقافة آخر بعد أن أوقفت هنا؟ مجرد احتمال، والاحتمال الآخر أن أفكار المسرحية الجديدة جاءت أعلى من الفن كما جاء في تقريرهم". ( ص ١٣٠).
تحمل رواية "الهامسون" لهالة البدري موقفاً احتجاجياً من العالم، تمسّ فيه الأيديولوجيا مساً ناعماً، متخذة من الفن، والتخييل، طريقاً وحيداً لصناعة النص، والأسطورة، والواقع المحكي عنه في صيغة روائية ممتعة، ومدهشة في الآن نفسه.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 4:32:00 PM
 الطفلة رهف أبو جزر، البالغة ثمانية أشهر، توفيت بسبب البرد القارس بعد أن غمرت المياه خيمة عائلتها في خان يونس جنوب القطاع.
تحقيقات 12/10/2025 8:10:00 AM
يعتقد من يمارسون ذلك الطقس أن النار تحرق لسان الكاذب...
شمال إفريقيا 12/10/2025 6:38:00 AM
على خلاف أغلب الدول العربية، لم يحدث أي اتصال بين تونس ودمشق، ولم يُبادر أيٌّ من البلدين بالتواصل مع الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر.