تعودُ الأنا اليوم
د. جويل رمزي فضّول
سنة غير كلّ السّنوات...
هي سنة مُنيت فيها بخسارات كبيرة، بطعنات وصفعات جمّة.
غمرني الشّكّ لحظات ضعفي، وجرّدتني خيبات الأمل من ثقتي بنفسي، وأقعدني حزني في دوّامة جنونيّة.
رزحت عاجزة تحت هول الانهزامات والانتكاسات، وظننت حينها أنّ الوقوف مجدّداً لهو مُستحيل، لا بل محال...
خسرتُ الكثير الكثير، وركعتُ لساعات مشلولة القوى غير قادرة على الوقوف، غير قادرة في تلك اللّحظات على إيجاد ما يُمكن أن أعكّز عليه فقط لا غير، لم أكن أفهم حينها ما الّذي يجري، ولماذا يحصل كلّ ذلك دفعةً واحدة، إلى أن...
إلى أن وجدت أن عكّازي الوحيد هو أنا، الأنا الّتي لم أكن أعلم مدى قوّتها وسط هذا الصّراع، ولم أكن أُدرك مدى أهمّيتها وسط هذا الإعصار.
الأنا الّتي أحرقتها التّجارب والخيبات، وطهّرها لهب الحياة لينقّيها.

الأنا الّتي فشلت مراراً وتكراراً وما كانت تعلم أنّ قوّتها كامنة في داخلها وحدها.
الأنا الّتي تسمّرت أمام طيبة قلبها وصفاء نياتها تلوم نفسها، وما كانت تُدرك أنّ كنزها قد يكون غريباً غير مألوف في هذا العالم الطّاحن.
الأنا الّتي شُلَّت قواها لأشهر وأشهر وما كانت تنتظر إطلاقاً أن تتمكّن من العودة بهذا الزّخم.
الأنا الّتي شعرت بدفء يد اللّه وهي تحملها لتنتشلها من القعر، محوِّلةً خسارتها إلى ما هو أعظم، إلى ما هو أعمق.
الأنا الّتي قرّرت أن تنفض غبار الحزن عنها، وأن تتشبّث مجدّدًا بكلّ عزم وقوّة بمشيئة اللّه، وأن تؤمن بتوقيته وحكمته وعدله.
الأنا الّتي عادت اليوم لأجلها هي أوّلاً، ولأجل الّذين تحبّهم والّذين يحبّونها بصدقٍ،
لأجل الّذين ساعدوها على الوقوف،
لأجل الّذين شدّوا على يدها وشجّعوها بغية النّهوض،
لأجل الّذين أسمعوها ما كانت تحتاج إلى سماعه،
أيضاً وأيضاً...
لأجل الّذين شكّكوا في عودتها، وراهنوا على ضعفها،
لأجل الّذين علّموها درساً ولقّنوها الكثير من العِبر.
هذه الأنا فهمت أنّ ليس كلّ خسارة خسارة حقيقيّة،
فها هي تعودُ اليوم، بحلّة مختلفة،
تعودُ متشبّثة بكنزها، بقلبها الّذي لا يعرف سوى أن يُحبّ وأن يُعطي، ولكن هذه المرّة بطريقة ناضجة مُختلفة، سيحبّ كما اعتاد أن يُحبّ ولكنّه سيتدرّب أكثر فأكثر على محبّة نفسه وتقدير نفسه لأنّ لذاته حقًّا عليه،
تعود الأنا اليوم مدركةً أنّ المشكلة قد تكون في الآخَر وليس بالضّرورة أن تكون دائماً كامنة فيها وحدها.
تعودُ الأنا اليوم، من دون أن تنسى الطّفل الكائن فيها،
تعودُ الأنا اليوم، أقوى من أيّ وقت،
تعودُ الأنا اليوم، وإيمانها أعمق من ذي قبل،
تعودُ الأنا اليوم، لتعيش كما تستحقّ، كما تُريد هي لا كما يريدون هم،
تعود الأنا اليوم، وفي جُعبتها عِبَر ونجاحات كلّفتها الكثير الكثير،
تعودُ الأنا اليوم، إكرامًا لنفسها...
تعود الأنا اليوم،
لأجلي "أنا"...
نبض