الظاهرة الصوتية

منبر 08-11-2025 | 15:36

الظاهرة الصوتية

نقف اليوم أمام واقع مؤلم: طريقة تفكير قيادات المقاومة تكشف انفصالًا خطيرًا عن منطق الدولة ومصلحة الناس.
الظاهرة الصوتية
العلم اللبناني. (أرشيف)
Smaller Bigger

الدكتور شرف أبو شرف

 

يحملنا على الحيرة ذلك الشرخ القائم بين العقلانية المطلوبة لإدارة دولةٍ وشعبٍ، وبين الظاهرة الصوتية التي تتحكّم اليوم بالقرارات والشعارات التي ترفعها المقاومة. فالعقل، بطبيعته، يبحث عن المخرج الأقلّ كلفة والأكثر حكمة، بينما الصوت العالي لا يرى أبعد من صداه، ولا يسمع غير ما يقوله لنفسه.

نقف اليوم أمام واقع مؤلم: طريقة تفكير قيادات المقاومة تكشف انفصالًا خطيرًا عن منطق الدولة ومصلحة الناس. ولعلّ أكثر ما يوجع في المشهد هو أنّ القائد الذي كان ـ لو بقي حيًّا ـ سينظر إلى الكارثة بعين البصيرة ويسعى إلى وقف الحرب، قد اغتيل لأن العدو أدرك أن العقل يمكن أن يُوقف النزيف، وأن صوت المنطق قد يعطّل آلة الدمار. فكان القرار بتغييب العقل، كي تستمرّ الحرب بلا رادع.

غير أنّ السؤال الأعمق يتجاوز الأشخاص: ألم تشهد قيادة حزب الله التحوّلات الكبرى التي عصفت بالمحيط العربي وبسوريا؟ أم أنّ الهدف يبقى نفسه منذ ما بعد الطائف: الإمساك بالداخل اللبناني والاستمرار في سياسة الأمر الواقع؟

 

ألن يسلّموا بالحقائق المستجدّة وينضووا تحت سقف دولةٍ واحدة موحّدة، تفاوض على سلامٍ دائمٍ ومشرّف؟ أم أنّهم سيقاومون حتى الرمق الأخير، في انتظار دمار يشبه ما أصاب غزة، ليقدّموا لجمهورهم تبرير الاستسلام وتسليم السلاح؟

تبدو الصورة، للأسف، جزءًا من خطة واضحة يعمل عليها العدو منذ سنوات: إسقاط الجبهات واحدة تلو الأخرى. سقطت غزة أو أُسقِطت، وجاء دور لبنان. والمسار، إن لم يُدركه العقلاء، قد يجرّ المنطقة إلى ما هو أوسع، وصولًا إلى استهداف إيران ذاتها. العدو أقام السلام مع جيرانه واحدًا تلو الآخر، ولم يبقَ في مشروعه سوى لبنان.

 

هنا، تتخطّى المسألة السياسة والعقيدة والمنطق الحزبي. نحن أمام خطر وجودي يهدّد بلدًا لا قدرة له على تحمّل حرب جديدة، لا اقتصاديًا ولا اجتماعيًا ولا ديمغرافيًا. العقل ليس رفاهية فكرية، بل هو شرط النجاة الأخير. أمّا الظاهرة الصوتية، مهما علت نبرتها، فهي عاجزة عن دفع الدمار عن شعبٍ يحترق.

 

علينا، قبل فوات الأوان، أن نعيد الاعتبار للعقل، وأن نكسر سطوة الصوت العالي، وأن نحفظ ما تبقّى من وطننا. فالندم بعد الخراب لا يشفي جرحًا، ولا يعيد بيتًا، ولا يحيي وطنًا. وحده العقل قادر على أن يفتح لنا باب الخلاص بأقلّ الخسائر والأضرار. وإلا فلنبحث عن صيغة جديدة للنظام او ميثاق وطني آخر يحفظ حقوق اللبنانيين على حد سواء في الحرية والكرامة والعدالة والبقاء.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.
اقتصاد وأعمال 12/11/2025 10:44:00 AM
تكمن أهمية هذا المشروع في أنه يحاول الموازنة بين 3 عوامل متناقضة: حاجات المودعين لاستعادة ودائعهم بالدولار الحقيقي، قدرة الدولة والمصارف على التمويل، وضبط الفجوة المالية الهائلة التي تستنزف الاقتصاد