جو قديح... شكراً

منبر 29-10-2025 | 09:35

جو قديح... شكراً

في مساءٍ من أمسيات نهار الجمعة، ركنت السيارة في شارع الجميزة. وأنا في طريقي إلى المسرح أتأمّل كل مبنى، وكل مقهى، وأستمتع ليس فقط لصوت الموسيقى، بل لضحكات الناس الذين يضحكون رغم كل شيء… مثل بيروت تماماً.
جو قديح... شكراً
جو قديح
Smaller Bigger

روز مكرزل

 

 

 

في مساءٍ من أمسيات نهار الجمعة، ركنت السيارة في شارع الجميزة. وأنا في طريقي إلى المسرح أتأمّل كل مبنى، وكل مقهى، وأستمتع ليس فقط لصوت الموسيقى، بل لضحكات الناس الذين يضحكون رغم كل شيء… مثل بيروت تماماً.
وأخيراً وصلت إلى مبنى قديم ذي هندسة راقية ذكّرني بأيام العزّ في بيروت. صعدت إلى الطابق المذكور، فرأيت بهجة الناس الذين التقوا ببعضهم البعض وهم يحتسون كأساً في يدهم.
وبعد بضع دقائق، طُلب منا الدخول إلى المسرح. وما إن دخلنا حتى أُطفئت الأنوار وساد السكون قبل أن يتم الترحيب بياسين عبدالله. فقلت بيني وبين نفسي: لا بد أنّه كوميدي جديد على الساحة الفنية وأنا لا أعرفه. أبقيت نظري محدّقاً إلى الستارة السوداء أنتظر بحماس رؤية وجه هذا الشاب.
وإذا بالستارة تُفتح، أسمع صوتاً ولا أرى وجهاً. لم أفهم في بادئ الأمر ما الذي حدث، فنظرت إلى الحضور ورأيتهم متفاجئين مثلي. فجأةً، ينادينا شاب ذو وجه جميل وابتسامة تُشرح القلب ويسألنا إن كنّا نراه. نعم لقد رأيته… ورأيت ما رأيت… شاب قصير القامة لكونه من دون رجلين.
تداخلت جميع أحاسيسي في بعضها البعض، لكن سرعان ما بدّدت سرعة بديهته وحسّه الفكاهي كلّ شعور آخر، فأنسَتنا جميعاً أنه من ذوي الأشخاص المميّزين.
ما هي إلا دقائق حتى بدأ جو قديح بعرضه. وما إن  ظهر على المسرح حتى اشتدّ التصفيق، فتشعر أنّ الموجودين ليسوا بمشاهدين فقط بل بأصدقاء وعائلة. لا أبالغ إن قلت إن جمهوره قريب منه لهذه الدرجة.
بدأت رحلة الضحك المتواصل منذ المشهد الأول، ولم تنتهِ حتى المشهد الأخير. كل حادثة حدثت معه كان لها معانٍ مخفية من الطراز الرفيع. استوقفتني احترامه وإنسانيته اللذان يدخلان من الباب العريض في العرض. فعلى سبيل المثال، استخدم عبارة: "فتاة من الجالية الفلبينية الكريمة" بدلاً من المصطلح"الفلينية"، تعبير غالباً ما يكون منكّهاً بالعنصرية.

لكن الذي أدهشني كان حديثه عن مرضه… السرطان. كنا جميعاً في حالة ذهول. كيف يستطيع، وهو في قلب معركته مع المرض، أن يجعلنا نضحك ونستهزئ به… لدرجة يتصالح معها إلى حدٍ ما؟!
هذه هي البطولة بحد ذاتها. كم من شخص أعطاه جو أملاً جديداً في مواجهة المرض من قلب المواجهة.
انتهى العرض وتهافت الجميع لرؤيته كإنسان أولاً ومن ثم كفنان. دمعتُ في نهاية العرض، لأني لم أدرك كم اشتقت للأيام التي كنت أضحك فيها على المواقف البسيطة بدلاً من الإيحاءات المفرطة.
شكراً جو، على إعادة الزمان إلى الوراء ولو لساعةٍ ونيّف من الوقت.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 4:32:00 PM
 الطفلة رهف أبو جزر، البالغة ثمانية أشهر، توفيت بسبب البرد القارس بعد أن غمرت المياه خيمة عائلتها في خان يونس جنوب القطاع.
تحقيقات 12/10/2025 8:10:00 AM
يعتقد من يمارسون ذلك الطقس أن النار تحرق لسان الكاذب...
شمال إفريقيا 12/10/2025 6:38:00 AM
على خلاف أغلب الدول العربية، لم يحدث أي اتصال بين تونس ودمشق، ولم يُبادر أيٌّ من البلدين بالتواصل مع الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر.