احتكار العنف في لبنان: بين شرعية الدولة وشرعية المقاومة
رنا فرح
يعيش لبنان جدلًا محتدمًا حول مسألة حصرية حمل السلاح وشرعية الدولة، في ظل انقسام سياسي يعكس أزمة عميقة في مفاهيم السيادة والسلطة والشرعية. هذا الانقسام لا يتوقف عند حدود المواقف السياسية، بل يمسّ جوهر فكرة الدولة نفسها.
ماكس فيبر: الدولة واحتكار العنف المشروع
يُعرّف عالم الاجتماع ماكس فيبر الدولة بأنها الكيان الذي يحتكر "العنف المشروع" داخل حدوده. أي أن المواطن يفترض أن يعتمد على مؤسسات الدولة وحدها في الدفاع عن أمنه وتطبيق القانون. ومن دون هذا الاحتكار، تُصبح شرعية الدولة مهددة ويضعف السلم الأهلي.
شرعية المقاومة: منظور المفتي قبلان
في خطبة أخيرة، رفض المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطة الحكومة اللبنانية لحصر السلاح بيد الدولة، مؤكدًا أن شرعية السلطة لا تُبنى على القانون فحسب بل على قدرتها الفعلية على حماية الناس والسيادة. شدد على أن "السلطة التي تتهرّب أو تتنازل عن واجباتها السيادية لا شرعية لها ولا لقراراتها"، في إشارة إلى اعتبار المقاومة وسلاحها ضمانة وطنية ودينية ضد أي تهديد خارجي.

منظور الحكومة: الدولة أولًا
في المقابل، يؤكد رئيس الحكومة نواف سلام أن حصر السلاح بيد الدولة خيار استراتيجي لا عودة عنه، معتبرًا ذلك أساس بناء الدولة الحديثة واحترام سيادتها. وهو موقف يجد جذوره في نظرية فيبر، إذ لا يمكن قيام دولة مستقلة إذا ظل قرار الحرب والسلم خارج مؤسساتها الشرعية.
ماكيافيللي ودرس الحظ
استشهد نيكولو ماكيافيلي في كتابه "الأمير" بقصة الأمير الإغريقي فيلوبويمن الذي استعد للحرب حتى في أوقات السلم، مدركًا أن النجاح لا يقوم فقط على القوة المادية، بل على الفضيلة والحنكة في اغتنام الفرص.
وفي مقطع آخر شبّه ميكيافيللي الحظ بنهر جارف: إذا انفجر أغرق السهول واقتلع البيوت والأشجار وغيّر معالم الأرض. لكنه قال إن الإنسان العاقل لا ينتظر الفيضان، بل يبني السدود والقنوات قبل أن يفيض النهر. وهكذا الدول: إمّا أن تتحصّن بالمؤسسات والقوة الشرعية، وإما أن تظل عرضة للغرق مع كل أزمة.
العنف المشروع بين الدولة والمقاومة: سؤال السيادة
اليوم، يقف لبنان بين شرعيتين متنافرتين:
شرعية الدولة الحديثة القائمة على القانون واحتكار العنف المشروع.
شرعية المقاومة التي ترى في الدولة غير القادرة وحدها سببًا لحمل السلاح دفاعًا عن السيادة.
هنا يصبح السؤال أكثر إلحاحًا:
هل يمكن أن تقوم دولة ذات سيادة فعلية إذا ظل قرار السلم والحرب خارج مؤسساتها الرسمية؟
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية
نبض