حَنْجَرَةٌ مَكْسُورَة

منبر 04-08-2025 | 10:19

حَنْجَرَةٌ مَكْسُورَة

أَنَا فَيْرُوزُ،  لَكِنْ اعْذُرُونِي... أَنَا أُمٌّ.  أَنَا صَوْتٌ فَقَدَ رَفِيقَهُ،  وَليل ضَيَّعَ قَمَرَه.  انْهَارَ الكَوْنُ أمامَ عَيْنَيَّ،  وَضَاقَ المَدَى،  أَنَا حَنِينٌ وَضَعَ نُوتَة شجن،  وَلَا مَنْ يُشَاغِبُ بِهَا.
حَنْجَرَةٌ مَكْسُورَة
السيدة فيروز في مراسم دفن ابنها
Smaller Bigger

أ.أحلام محسن زلزلة 

 

 

أَنَا فَيْرُوزُ،  
لَكِنْ اعْذُرُونِي... أَنَا أُمٌّ.  
أَنَا صَوْتٌ فَقَدَ رَفِيقَهُ،  
وَليل ضَيَّعَ قَمَرَه.  
انْهَارَ الكَوْنُ أمامَ عَيْنَيَّ،  
وَضَاقَ المَدَى،  
أَنَا حَنِينٌ وَضَعَ نُوتَة شجن،  
وَلَا مَنْ يُشَاغِبُ بِهَا.
هَلْ سَيَعُودُ الَّذِي كَانَ يُخَاصِمُ فَيْرُوزَ بِظُرْفٍ،  
وَيُرَاضِيهَا بِأُغْنِيَةٍ؟  
هَلْ سَيَأْتِي الصُّبْحُ لِيُقَبِّلَ جَبِينَهُ؟
حبيبي!
تَرَكْتُ الوَطَنَ يَنُوحُ بِي لِأَجْلِكَ،  
غَنَّيْتُكَ مِنْ دَمِ قَلْبِي،   
تَرَكْتُ الشِّعْرَ، وَالرِّيحَ، وَقَصَبَ السُّكَّرِ،  
وَلَمَسْتُ شَعْرَكَ، وَرُوحَكَ، وَهَمَّكَ. 
لِمَ رَكَنْتَ نُوتَةَ الوَجَعِ،  
وَظِلَّ حُبٍّ مَفْقُودٍ خَلْفَ بَابِي؟  

 

 

 

 

لِمَ تَرَكْتَ روحي تنْدَلِقُ،  
لِتصِيرَ شَجَنًا، وَبُكَاءً.
أنْظُر الزّمَنَ وَهْوَ  يُمَزِّقُ أَهَمَّ حُبٍّ مِنْ عُمْرِي 
انْتَشَلَ التَّغْرِيدَ عَنْ نَوَافِذِي؟  
آهٍ، حَنْجَرَتِي مَكْسُورَةٌ...  
أَبْحَثُ عَنْ صَوْتِي الثَّانِي،  
عَنْ صَوْتِكَ الخَامِدِ،  
ألقيه فِي وَجْهِ العَوَاصِفِ، لِأُرْضِيَكَ.  
هل تُرى أَنَامِلِي المُرْتَجِفَةِ
أتريد أَنْ تَعْزِفَ منها لَحْنًا لِجَنَازَةِ الأَبْنَاءِ؟  
أَتَظُنُّ أَنَّ الوَقْتَ الَّذِي أَحْمِلُهُ عَلَى وَجْهِي، سيَرْحَمُنِي؟  
وَالأَلَمَ الَّذِي أَرْفَعُهُ عَلَى كَتِفِي، سيَنْهَضُ بِي؟  
 دَعْنِي أَنْتَظِرْ نَبْضَكَ آتِيًا مِنْ قَعْرِ السُّكُونِ،
يَصْعَدُ خَشَبَةَ الحَيَاةِ، 
عُدْ إِلَيَّ.
يَا آخِرَ جَمَالٍ لَهُ صَوْتٌ،  
يَا أَوَّلَ فَرَحٍ آخرُهُ البحرُ
أرْهِقْنِي بِالعِنَادِ،  
اِمْلَأْ الدنيا برَائِحَة سِيجَارَتِكَ،  
هَلْ مَا زِلْتَ تَحْمِلُهَا فِي يَدِكَ؟  
لَا تُعِرْنِي سُكُوتَكَ،  
 أَكْثِرْ مِنَ الكَلَامِ، من الفَوْضَى، مِنَ التَّأَفُّفِ...
نَاكِفِ الحَيَاةَ عَلَى البِيَانُو،  
سَيُصَفِّقُ لَكَ النَّاسُ،  
وَمَنْ يَسْتَحِقُّ التَّصْفِيقَ غَيْرُكَ؟
شَارِعُ الحَمْرَا يُفْرِجُ عَنِ ابْتِسَامَتِهِ لَكَ،
بَيْرُوتُ تَرْسُمُ وَجْهَها بِلُغَتِكَ
اشْتَاقَتْ لِمَنْ يُحِبُّهَا كَمَا هِيَ،  
لِمَنْ أَحَبَّتْهُ كَمَا هُوَ...
لِمَ تَرَكْتَهَا؟  
تَرَكْتَنِي!  
أَنْتَ تُمَازِحُنَا...
حبيبي
عَانِدْنِي قَدْرَ مَا تَشَاءُ،  
غَنِّ فَيْرُوزَ كَمَا تَشَاءُ،  
تَكَلَّمْ مَعِي بِمَا تَشَاءُ،  
بالنّاي الغاضِبِ،  
بِاللَّحْنِ المَكْسورِ...
باللَّفظِ النّافِرِ
المُهِمُّ: أَنْ تَعُودَ.
يَا خَصْمَ فَيْرُوز، 
مِرْآتَهَا، هَواها،  
سَأُغَنِّيكَ بِصَوْتٍ مَخْنُوقٍ،  
لَيْسَ مِنَ اشْتِدادِ العُمْرِ،  
بَلْ مِنَ الشَّوْقِ إِلَيْكَ.
 إِلَى مُوسِيقًى تَهْزِمُ الحَرْبَ،  
تَسْخَرُ الغِيَابَ...
لَمْ أكن أَدْرِي أَنَّ الفَقْدَ أَيْضًا يُغَنِّي،  
وَأَنَّ الصَّدْرَ يَعْزِفُ العَذَابَ،  
وَأَنَّ وَلَدِي الَّذِي يُشْبِهُنِي،  
يَصْرُخُ عَلَى الجُدْرَانِ:  
"أَنَا لَا أُشْبِهُكُمْ... فَدَعُونِي أَمُرَّ".
أَبَدًا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَمُرَّ،    
ابْنُ فَيْرُوزَ... لَا يَمُرُّ.
 بُنَيَّ!
ما زالَ أملي يَبْحَثُ عَنْكَ في زَوايا الزَّمَنِ،  
في سَلالِمَ المُوسِيقَى،  
في بَصَماتِ العُودِ،  
في مَآسي الوَطَنِ.
أَتَعْلَمُ؟  
سَأُكْمِلُ أَغَانِيكَ، وَأَنَا أَهُزُّ سَرِيرَكَ البارِدَ،  
أَحْضُنُ قُمْصَانَكَ المُبَلَّلَةَ بِالبُكَاءِ،  
وأُنَظِّفُ بُقَعَ القَهْوَةِ المَسْكُوبَةِ عَلَى أَوْرَاقِكَ.
سَأَرْفَعُ الغِطَاءَ عَنْ سُخْرِيَّتِكَ  
الَّتي لَمْ أَجْرُؤْ يَوْمًا عَلَى البَوْحِ بِهَا،  
وأَلْبَسُ دعابتك، لِكَيْ يُعْجِبَكَ مَظْهَرِي،  
وأَبْكِي...
أَبْكَيْتَنِي كَثِيرًا، يا وَلَدِي،  
أنا لَسْتُ أُمًّا،  
أَنا عَالَمٌ تُحِبُّهُ رَغْمَ شقائه،  
حُلُمٌ تُنْشِدُهُ  فَوْقَ وَاقِعٍ بِلا أجْنِحَةٍ،  
سَاعِدٌ تُمْسِكُ بِهِ فِي انْهيارٍ بِلَا دَمٍ.
أَتَعْرِفُ، يا زِيَادُ؟  
الآنَ، وَقَدْ صِرْتَ في نِهَايَةِ النَّصِّ،  
لَا تَضَعِ النُّقْطَةَ الأَخِيرَةَ...  
توقف لِلَحْظَةٍ، لِأخْبِرُكَ وَأَنَا أَشْهَقُ:  
إنَّنِي: "كِبِرِ البَحْرِ بْحِبَّكْ..."
سَأَفْتَحُ مَمَرًّا في السَّماءَ 
عَلَّكَ تَعُودُ مِنَ المُشْوارِ الطَّوِيلِ،  
لِنُغَرِّدَ مَعًا:  
"رَاجِعِينَ، يا هَوَى...
عُدْ، يا زِيَادُ،  
فَوَلَدِي لَا يَخَافُ مِنْ شَيْء.






العلامات الدالة

الأكثر قراءة

دوليات 12/14/2025 3:19:00 PM
تحوّل صاحب متجر الفواكه أحمد الأحمد إلى "بطل بوندي" بعدما انتزع سلاح أحد المسلحين خلال هجوم على احتفال الحانوكا في شاطئ بوندي بسيدني، منقذًا عشرات الأرواح قبل أن يُصاب ويُنقل إلى المستشفى.
دوليات 12/15/2025 1:50:00 PM
يقضي الأطفال ووالدتهم معظم وقتهم في التسوق، ويملأون منزلهم الروسي الجديد بالسلع الفاخرة، بحسب مصدر قريب من العائلة.
دوليات 12/15/2025 2:38:00 PM
تحدّثت تقارير عن صلة محتملة لإيران واستخباراتها بهجوم سيدني.
العالم 12/14/2025 11:00:00 PM
الأب لقي حتفه بينما يرقد الابن في المستشفى.