شهادة للتاريخ لا للتوظيف
كريستيان خليفة / غانا أفريقيا
في زمن كثرت فيه الخطابات المزيّفة عن "العيش المشترك" و"إرث الطائف"، يأتي مقال الأستاذ عماد جودية المنشور في "النهار"، صفحة المنبر (12/5/2025) والذي حمل عنوان "خمس مراحل أسّست للطائف ووارث الحسيني حارسه"، ليس كخطاب، بل كشهادة موثّقة نابضة بالحقيقة والتجربة المباشرة، تُضيء زوايا خفيّة من مسار اتفاق الطائف، ذلك المنعطف التاريخي الذي أوقف نزف الحرب في لبنان.
قوة هذا النص لا تكمن فقط في المعلومات التي يسردها، بل في جرأة الموقف ووضوح الرؤية، التي تجلت برفض عماد جودية للتوزير، حيث يسمّي الأمور بأسمائها، ويُدين البنية الطائفية للنظام بلسان وطني حقيقي، لا طائفي متنكّر. وهو بذلك يضع إصبعه على الجرح الأساسي: لبنان لا يحتاج إلى تسويات موسمية، بل إلى عقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة لا المذاهب.
يُسجَّل للرئيس حسين الحسيني، الذي يصوّره النص كمهندسٍ هادئٍ وشجاع لاتفاق الطائف، أنه تحمّل الثقل الأخلاقي والوطني لإدارة تسوية كبرى في بلد ممزق. كما يُسجَّل للبطريرك صفير موقفه الهادئ المتفهِّم، وللرئيس الحص توازنه النظيف.
لكن الأهم أن النص لا يكتفي باستعادة الماضي، بل يمتدّ إلى الحاضر والمستقبل عبر الإشارة إلى استمرار هذا الخط الوطني المعتدل في شخصية حسين الحسيني، وكأن الرسالة هي: الطائف ليس وثيقة انتهت في 1989، بل مشروع سياسي مستمرّ يتطلب رجالاً يشبهون من صنعوه، لا من تقاسموه.
في زمن التسويات السطحية والتعطيل الممنهج، نحتاج إلى مثل هذه الشهادات لتذكيرنا بأن لبنان كان يملك رجال دولة كباراً وعماد جودية واحد منهم، وليس فقط طوائف وسلطات.
عماد جودية: خمس مراحل أسست للطائف... ووارث الحسيني حارسه
نبض