بانتظار بطريرك حويّك جديد

آراء 11-12-2025 | 00:19

بانتظار بطريرك حويّك جديد

تبدو منطقة المشرق العربي في وضع إعادة رسم جيو-سياسية لما بعد "سايكس-بيكو" وفي حال عدم ثبات، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات السياسية والعسكرية الجارية...
بانتظار بطريرك حويّك جديد
البابا لاوون الرابع عشر في لبنان(أ ف ب)
Smaller Bigger

د.جورج صدقة*

تبدو منطقة المشرق العربي في وضع إعادة رسم جيو-سياسية لما بعد "سايكس-بيكو" وفي حال عدم ثبات، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات السياسية والعسكرية الجارية، وكأن مجموعة دول المشرق التي نشأت عقب انهيار السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى باتت في وضع "إعادة نظر"، سواء لناحية أنظمتها السياسية أو لناحية حدودها الجغرافية.

وقد أدّت الحروب المتلاحقة في المنطقة إلى زعزعة هذه الأنظمة، بدءاً من الغزو الأميركي للعراق الذي أسقط نظام صدام حسين وأضعف السلطة المركزية من خلال فكفكة الجيش وزرع الشقاق السني الشيعي وإطلاق حكم ذاتي كردي، فضلًا عن إتاحة الفرصة للنظام الإسلامي في إيران للتمدد إلى العراق وسوريا وإلى لبنان.

ناحية سوريا، باتت ميداناً للتدخلات الخارجية من خلال ضعف النظام السابق وطلاقه مع شعبه، ما اضطره إلى طلب مساعدة إيران ومن ثم روسيا اللتين "انزرعتا" في بلاد الشام بطرق متعددة. وأضيفت إليهما، بعد سقوط النظام، القوات الأميركية والإسرائيلية والتركية. ترافق ذلك مع "يقظة" النزعات الطائفية، الدرزية والعلوية والكردية، ما يطرح أيضاً أسئلة عن مستقبل سوريا الجغرافي والسياسي؟

وفي فلسطين، لم تتقدّم قضية الشعب الفلسطيني في تحقيق حلم الدولة بعد حوالى 75 سنة من الكفاح المسلح المتنوّع داخل فلسطين وخارجها. لا بل جاءت الحرب التي أطلقتها "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 انطلاقاً من غزّة، بمثابة نكسة كبيرة للشعب الفلسطيني دمّرت غزّة وأعطت ذريعة لإسرائيل لاحتلال أجزاء كبيرة منها ومواصلة سياسات الاستيطان في الضفة الغربية. وإن كانت خطة ترامب سعت لوقف حرب إسرائيل التدميرية ضدّ غزّة تحت شعار قيام الدولة الفلسطينية وإقرار السلام في المنطقة، غير أن الواقع على الأرض لا يوحي ذلك بسبب استمرار السياسات الإسرائيلية الرافضة قيام دولة فلسطينية واستمرار قضمها أراضي الفلسطينيين، ما يجعل من الصعب رؤية قيام مثل هذه الدولة. وفي الوقت نفسه تستمرّ الضغوط الإسرائيلية على مصر سعياً لإجلاء الغزاويين إلى سيناء.

وفي الأردن، يستنفر النظام إلى حده الأقصى كي لا تدفع هذه الدولة ثمن السلم العربي - الإسرائيلي من خلال تحقيق ما ردده الإسرئيليون دوماً أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين. وقد نجح النظام الهاشمي، المدعوم غربياً، في تحييد المملكة عن صراعات المنطقة حتى الآن.

وفي لبنان، على رغم انهيار سلطة الوصاية السورية التي كانت ممسكة به طوال عشرات السنين، فإن السلطة اللبنانية لا تزال تتخبّط في موضوع استعادة سلطتها على أراضيها كاملة، وفي موضوع جمع السلاح من الميليشيات اللبنانية والفلسطينية التي تشكل بؤراً أمنية في مناطق مختلفة. والأخطر من ذلك الاحتلال الإسرائيلي الذي عاد إلى الجنوب عسكرياً ويهدد يومياً باقي المناطق. ويترافق ذلك مع تشققات في الوحدة الداخلية حول مستقبل النظام السياسي وتقاسم السلطة بين الطوائف. ومن يواكب خطابات القادة السياسيين والروحيين، يستنتج مدى عمق الشرخ في الكيان الذي يبدو بحاجة إلى نظام سياسي جديد يلتقي عليه اللبنانيون ويضع حداً للحرب الأهلية التي تستمرّ من خلال الخطاب السياسي.

وهكذا تبدو دول المشرق العربي في حال عدم استقرار وتبدو نهاية مفاعيل اتفاق سايكس -بيكو قريبة، فيما لم تتضح بعد صورة البديل منه. غير أن انعدام استقرار الأنظمة السياسية القائمة الذي يترافق مع سياسة إسرائيلية ضاغطة على كل الجبهات، ووجود أميركي ديبلوماسي وعسكري متزايد في المنطقة، والأطماع الدولية المتزايدة بمخزون النفط والغاز الذي تحتويه دول المنطقة، وارتفاع أصوات المجموعات الدينية والعرقية في كل هذه الدول، يزيد المخاوف من إمكان قيام خرائط جديدة قد ترسمها إسرائيل ويوافق عليها الأميركيون ويتبنّاها الروس المرابضون دوماً في سوريا، على أن تنال كل من إيران وتركيا جوائز ترضية للسير بها.

أين لبنان من كل هذا؟

يجب الاعتراف بأن الدولة اللبنانية لم تنجح في إعطاء صورة دولة حقيقية للخارج لأسباب عديدة: الانقسامات الداخلية والنزاعات بين الطوائف، انهيار الاقتصاد والإدارة بسبب فساد المسؤولين والقيّمين على الدولة، فشل السلطة في تسلّم الأمن على كل الأراضي اللبنانية، سرقة أموال الشعب والدولة وغياب القضاء عن ذلك، وعجز الحكومات المتلاحقة طوال 6 سنوات عن اقتراح حلول لهذه المشكلة... كل هذا يزيد من التشكيك في كيان الدولة اللبنانية ويزيد المخاوف حول مستقبلها.

 

موكب يقل وفدًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجول على الحدود مع إسرائيل بالقرب من منطقة الناقورة جنوب لبنان في 6 ديسمبر 2025. (أ ف ب)
موكب يقل وفدًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجول على الحدود مع إسرائيل بالقرب من منطقة الناقورة جنوب لبنان في 6 ديسمبر 2025. (أ ف ب)

 

واللافت أنه في الوقت الذي تهتزّ فيه حدود سايكس- بيكو، وفي الوقت الذي تعيد فيه الدول الكبرى رسم منطقة المشرق العربي، يبدو فاقعاً غياب أي مشروع لبناني على طاولة الدول صانعة القرار، على خلاف ما كان حاصلاً عام 1919 خلال مؤتمر الصلح في باريس الذي وزّع إرث السلطنة العثمانية، إذ كانت عندها مشاريع لبنانية مختلفة على الطاولة يسعى طارحوها إلى تبنيها من المؤتمر كمثل مشروع لبنان الصغير ومشروع الوحدة مع سوريا، إلى أن نجح البطريرك الياس الحويّك في إقناع مؤتمر الصلح (وخصوصاً كليمنصو) بتبنّي مشروع لبنان الكبير واقراره. أما اليوم فلا مشروع لبنانياً على طاولة القرار الدولي، فقط منازعات داخلية تزيد من البلبلة وتزرع الشك في مستقبل الكيان.

لذلك بعد زيارة البابا لبنان تعود الأنظار مجدداً إلى بكركي، وهي محطّ أنظار غالبية اللبنانيين، في انتظار حويّك جديد يحمل مشروعاً سياسياً عابراً للطوائف يضمن مستقبل الوطن ويعيد الأمل إلى الشعب اللبناني بقيام دولة تعيده إلى مصاف الدول المحترَمة.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
تحقيقات 12/10/2025 8:10:00 AM
يعتقد من يمارسون ذلك الطقس أن النار تحرق لسان الكاذب...
شمال إفريقيا 12/10/2025 6:38:00 AM
على خلاف أغلب الدول العربية، لم يحدث أي اتصال بين تونس ودمشق، ولم يُبادر أيٌّ من البلدين بالتواصل مع الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر.
شمال إفريقيا 12/10/2025 6:44:00 AM
الرغبة الجامحة لدى البابا في زيارة الجزائر قابلتها العديد من التساؤلات حيال الخلفيات التي جعلته يولي هذا الاهتمام ببلد عربي أفريقي لم يذكر غيره بهذا الزخم المعرفي من قبل.