تعود واشنطن من جديد إلى قلب معادلة الحرب الأوكرانية ـ الروسية، لكن هذه المرة عبر بوابة صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى. فاحتمال تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ لا يعني مجرد تعزيز ترسانتها، بل فتح الباب أمام مرحلة أكثر خطورة في الصراع بين موسكو و"الناتو".

هذه الصواريخ، تتميز بقدرتها على ضرب أهداف تبعد أكثر من 1600 كيلومتر بدقة تدميرية عالية. وإذا وصلت إلى كييف، فستتمكن الأخيرة من استهداف العمق الروسي، بما في ذلك القواعد الجوية ومراكز القيادة واللوجستيات. وهذا التحول يعني ببساطة انتقال الحرب من الدفاع إلى الهجوم، وتوسيعها إلى خارج الحدود الأوكرانية.

لكن الموقف الأميركي يبدو متأرجحاً؛ فبينما منح البنتاغون الضوء الأخضر من الناحية الفنية لتسليم الصواريخ، أبدى الرئيس ترامب تحفظاً  يوم الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، مبرراً ذلك الحفاظ على ترسانة بلاده وعدم استنزافها. هذا التناقض يعكس حالة من الانقسام داخل واشنطن بين مقاربة الردع ومخاوف التصعيد.

هذا التصريح يعكس تردداً بين الرغبة في الحفاظ على الردع الأميركي وبين الضغوط السياسية لتقديم دعم أكبر لكييف، كما يظهر أن قرار تسليم "توماهوك" لا يخضع فقط لمعايير عسكرية، بل يتأثر أيضاً بحسابات ترامب الانتخابية ورغبته في تجنب مواجهة مباشرة مع موسكو.

وتعتبر موسكو أن أي تسليم لهذه الصواريخ تجاوزاً لـ"قواعد الاشتباك"، وتهدد برد عسكري تصعيدي قد يشمل توسيع نطاق الحرب أو استهداف البنية التحتية الأوكرانية الحيوية.

أما أوروبا فهي تدرك أن إدخال صواريخ "توماهوك" إلى الصراع سيزيد من احتمالات الانزلاق نحو مواجهة مباشرة بين روسيا والغرب، في وقت لا تزال فيه القارة تعاني من هشاشة الأمن.

يبدو أن الجدل لا يتمحور حول "توماهوك" كسلاح بقدر ما يعكس تذبذب دور ترامب في جر كل من بوتين وزيلينسكي إلى طاولة المفاوضات. فواشنطن تلوح بالقوة وتمنح الوعود ثم تتراجع تحت ضغط الحسابات السياسية. وهكذا تتحول الأسلحة إلى أوراق مساومة أكثر منها أدوات حسم عسكري.

أجد من المستبعد، في ضوء مواقف ترامب وتصريحاته المتكررة، أن يقدم فعلياً على تسليم صواريخ "توماهوك" إلى أوكرانيا. فالرئيس الأميركي يتعامل مع هذه الورقة كسلاح سياسي أكثر من كونها أداة عسكرية. ويبدو أن "توماهوك" ستبقى في المدى المنظور ورقة ضغط أميركية على طاولة المفاوضات، دون الانخراط المباشر في مواجهة لا يريدها ترامب.

*باحث في الأمن الدولي

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.