نساء خارقات
جوسلين مراد
من غيمة هاربة من قسوة القدر
تمسك حقيبة السفر بيد، وتحمل أعباء الحياة باليد الأخرى،
من مظاهر الفاقة الشديدة على وجه الكرامة الشاحب،
ومن الأحلام النائمة على أرصفة الأيام والليالي،
تنبثق ابتسامة الفجر كل يوم...
هي الابتسامة التي تشهر سيفها في جوف الظلم فتصرعه
وهي الأحلام التي تتحدى الاستعباد فتبيده
وهي الكرامة الت تشمئز من الهوان فتدوسه
وهي الحرية التي تسخر من العبودية فتسحقها
وقد وجدنا هذه الابتسامة وهذه الأحلام وهذه الكرامة وهذه الحرية
متجسدة في نساء خارقات غيّر كفاحهن التاريخ.
انها تلك القوى الخفية التي تجعل النهر مباركاً يفيض بالخيرات كل عام
وتلك الروح الجبارة التي تملأ الأشجار بثمارها في كل المواسم
وتلك الفراشة العجيبة التي تغط على الزهرة فتكللها بالحب والاهتمام
وتلك الشعلة المتوهجة التي تبث في النفوس الشجاعة والطموح.
ها هي تيودورا بعد الفتنة التي عصفت بعرش زوجها الملك جوستينيان
تنقذ العرش من الثوار بصلابتها ورباطة جأشها.
وها هي هيلين كيلر العمياء الصماء البكماء التي حصلت على ثلاث
درجات دكتوراه رغم كارثتها المثلثة.
وها هي الملكة الأشورية شميرام ملكة بلاد النهرين الخالدة
التي استمر حكمها أربعين عاماً، وقد خاضت أشد المعارك الحربية
تقود الجيوش بنفسها، من مدينة بابل وقد احتلت جزءاً كبيراً من
الأراضي الفارسية، ثم احتلت بلاد الشام ثم غزت مصر والحبشة.
وها هي اسباسيا الثائرة من مدينة ميلتيس الاغريقية،
وقد انتقلت الى أثينا حيث افتتحت مدرسة خاصة لتعليم الفتيات
بعدما لاحظت حرمانهن التعليم الكافي،
وبذلك تكون أول زعيمة للنهضة النسائية في العالم.
وها هي عليشار ابنة الملك بيلوس، بانية قرطاجة في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد.
لقبوها بديدون أي اللاجئة لأنها هجرت وطنها ولجأت الى تلك الأرض البعيدة
حيث شيدت حصناً كان نواة لمدينة قرطاجة.
كانت قلعة حربية للبنانيين مركزها في وسط البحر المتوسط.
وقد قضت بعيدة عن وطنها، في وطن جديد خلقته لتخدم فيه بلادها الأم.
وها هي هاريت بيتشر سنو الكاتبة التي حررت عبيد أميركا بقلمها،
عندما كان عدد الزنوج المستعبدين يبلغ ثلاثة ملايين منتصف القرن التاسع عشر.
حزّ في قلبها منظر رأته وهي عائدة الى بيتها ذات يوم،
رجل أبيض يأمر عماله بجلد زنجي كهل أشيب
حتى فاضت روحه الى باريها. وعندما وصلت الى بيتها فاضت عواطفها
جياشة، فكتبت قصة "كوخ العم طوم" التي أبكت سكان نيويورك وباريس والعالم.
فكان لكتاباتها الأثر في اشعال الحرب الأهلية الأميركية لتحرير العبيد.
وهكذا انتهى عهد الرق واستعباد الانسان لأخيه الانسان.
لقد أنفقت أرباحها على شراء العبيد وتحريرهم وانشاء المنازل لهم،
مواصلة الكفاح الأدبي في سبيل تحريرهم من رق العبودية.
ومن شدة تعلقها بالحياة، أحبت فيها كل شيء حتى الألم والدموع.
لهؤلاء النساء الخارقات نقدم أوسمة الاحترام والتقدير،
فمن خلال أضوائهن الساطعة ذات الوهج الأبدي،
نستطيع أن نتطلع الى المستقبل، فنرى فيه نور المعرفة ودفء العاطفة واشراقة الحياة
لأنهن لم يقبلن العار تاجاً لرؤوسهن!
نبض