ترامب في الكنيست الإسرائيلي.
تنقّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مزهوّاً بنفسه بين الكنيست الإسرائيلي ومؤتمر السلام في شرم الشيخ، موزّعًا شهادات في حسن السلوك للذين إلتقاهم هنا وهناك.
"أنت ناجح، أنت عظيم، أعجبتني لكنّك أطلت في خطابك، أنت صعب وعظيم يا "بيبي" لكن عليك أن تلين بعض الشيء في مرحلة السلام". هكذا خاطب ترامب رئيس الكنيست ورئيس الوزراء وزعيم المعارضة، وكأنّه الأب الصالح يخاطب أبناءه ويرعاهم، وكأنّ إسرائيل هي فعلاً ربيبة أميركا.
في شرم الشيخ مدح ترامب الرئيس السيسي والمستشار الالماني وغيرهما، ولم يُغفل التغزّل ولو بحذر برئيسة الوزراء الإيطاليّة: "هل يمكنني أن أقول إنك جميلة؟". واكتفت ميلوني بالابتسامة، هي التي فهمت بالطبع ان حذر ترامب ناتج من كونه مُتّهم بالتحرش الجنسي وبالإغتصاب في بلاده.
يحق لصانع السلام ما لا يحق لغيره: فقد حمل معه "الرحمة" لسكان غزة وللأسرى الاسرائيليين والفلسطينيين، وكان من الطبيعي ان يوزّع "بركاته" على من التقاهم.
لكنّه كما يوزّع شهادات في حسن السلوك أو المظهر على الآخرين، كان صانع السلام يحتاج الى شهادة من المؤسّسة النروجيّة التي حرمته من "نوبل للسلام". عندما انتُخب البابا الجديد وضع ترامب صورة لنفسه وهو يرتدي لباس البابا. فترامب الذي يعي تمامًا ان عظمته متأتّية من السلاح والمال، وهما أكثر ما يفتك بكرامة الإنسان، يتطلّع هو أيضًا الى القيم العليا، لعلّها تبارك أخلاقيًّا ما يقوم به حول العالم. فلطالما احتاج العنف أو الإستغلال الرأسمالي الى التبرير الأخلاقي.
ترامب نجح حيث فشلت الأديان السماويّة الثلاثة، التي تدار الحروب باسمها على أرض فلسطين. فلا "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" الواردة في الإنجيل، هو ما أوقف ترامب عن دعم إسرائيل في إستمرارها في الحرب؛ ولا "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" الواردة في القرآن، هو ما أقنع حماس بقبول خطّة ترامب؛ ولا "الرب يعطي لشعبه، ويبارك شعبه بالسلام" في المزامير، هو ما لجم نتنياهو عن استكمال الإبادة وتهجير الغزّاويين.
في ظروف دولية لم تعد تسمح باستمرار دعم أميركا لإسرائيل في حربها، لا بل بات هذا الدعم يشكّل خطرًا معنويًّا كبيرًا على الدولتين أمام الرأي العام العالمي، وبعد ان أصبحت حماس بحكم الساقطة عسكريًّا وسياسيًّا، قرّر ترامب وقف الحرب طارحًا خطّته للسلام.
وإذا كانت خطّة ترامب تهدف الى حكم غزّة من خلال مجلس ولجان وقوى أمن، عربيّة ودوليّة، أي من خارجها بشكل عام مع مشاركة بعض الفلسطينيين التكنوقراط، فضلا عن التمويل الخارجي لإعادة الاعمار، فإنه من الصحيح القول ان ترامب يريد "الإعمار بالإستعمار"، في غياب ممثلين عن حماس والسلطة الفلسطينيّة، وهذه الأخيرة مُطالبة بإجراء إصلاحات، أي بتقديم شهادة حسن سلوك قبل تأهيلها الى دور قيادي. وقد كان لافتًا أيضا في كلمات ترامب عدم إشارته الى معاناة الغزّاويين والإكتفاء بالتعاطف مع الإسرائيليين.
مع ذلك لست من الذين يدعون الى رفض خطّة ترامب للسلام. فكاذب كل من يقول ان الخيار هو بين سلام الاستسلام الذي يطرحه ترامب وسلام عادل لا أحد يدري كيف يمكن ان يحلّ على فلسطين في ظل عدم توازن القوى، على المستوى التكنولوجي والعسكري والاقتصادي. الخيار الفعلي اليوم هو بين الاستسلام عن طريق سلام ترامب أو الاستسلام عن طريق استمرار الحرب، والفرق شاسع بين الاستسلامين. ففي حين ان الاستسلام عن طريق الحرب لا أفق له سوى الإبادة والتهجير، ان الاستسلام عن طريق سلام ترامب قد يفتح الباب أمام تشكّل قوى سياسيّة فلسطينيّة في غزّة وفي الضفة، بعيدًا من الإسلام السياسي ونهجه الذي تسبّب بالنكبة الفلسطينية الثانية، وبعيدًا أيضًا من تأثير الجماعات الفاسدة في أوساط السلطة الفلسطينيّة. قوى فلسطينيّة جديدة تعمل بجميع الوسائل السلمية من أجل ملاقاة الرأي العام العالمي المؤيّد للقضيّة الفلسطينيّة ولمشروع حل الدولتين.
بعد يومين من إلقاء أميركا قنبلتها الذرية على هيروشيما في اليابان، كتب البير كامو: "السلام هو المعركة الوحيدة التي تستحق خوضها". فرحة الغزاويين بوقف الحرب وبالبقاء على قيد الحياة، رغم خطة ترامب غير العادلة للسلام ورغم كل المآسي والخراب الذي يحيط بهم، تطرح أمام القوى الفلسطينية المتمسكة بالحرية وبزوال الاحتلال، مسؤولية الاتفاق على نهج وطني تحرري جديد في سياق عمل نضالي سلمي يؤدي الى السلام، ويعلي من شأن الحفاظ على الحياة بوجه الايديولوجيات الاصولية التي تقدس الموت.
"أنت ناجح، أنت عظيم، أعجبتني لكنّك أطلت في خطابك، أنت صعب وعظيم يا "بيبي" لكن عليك أن تلين بعض الشيء في مرحلة السلام". هكذا خاطب ترامب رئيس الكنيست ورئيس الوزراء وزعيم المعارضة، وكأنّه الأب الصالح يخاطب أبناءه ويرعاهم، وكأنّ إسرائيل هي فعلاً ربيبة أميركا.
في شرم الشيخ مدح ترامب الرئيس السيسي والمستشار الالماني وغيرهما، ولم يُغفل التغزّل ولو بحذر برئيسة الوزراء الإيطاليّة: "هل يمكنني أن أقول إنك جميلة؟". واكتفت ميلوني بالابتسامة، هي التي فهمت بالطبع ان حذر ترامب ناتج من كونه مُتّهم بالتحرش الجنسي وبالإغتصاب في بلاده.
يحق لصانع السلام ما لا يحق لغيره: فقد حمل معه "الرحمة" لسكان غزة وللأسرى الاسرائيليين والفلسطينيين، وكان من الطبيعي ان يوزّع "بركاته" على من التقاهم.
لكنّه كما يوزّع شهادات في حسن السلوك أو المظهر على الآخرين، كان صانع السلام يحتاج الى شهادة من المؤسّسة النروجيّة التي حرمته من "نوبل للسلام". عندما انتُخب البابا الجديد وضع ترامب صورة لنفسه وهو يرتدي لباس البابا. فترامب الذي يعي تمامًا ان عظمته متأتّية من السلاح والمال، وهما أكثر ما يفتك بكرامة الإنسان، يتطلّع هو أيضًا الى القيم العليا، لعلّها تبارك أخلاقيًّا ما يقوم به حول العالم. فلطالما احتاج العنف أو الإستغلال الرأسمالي الى التبرير الأخلاقي.
ترامب نجح حيث فشلت الأديان السماويّة الثلاثة، التي تدار الحروب باسمها على أرض فلسطين. فلا "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" الواردة في الإنجيل، هو ما أوقف ترامب عن دعم إسرائيل في إستمرارها في الحرب؛ ولا "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" الواردة في القرآن، هو ما أقنع حماس بقبول خطّة ترامب؛ ولا "الرب يعطي لشعبه، ويبارك شعبه بالسلام" في المزامير، هو ما لجم نتنياهو عن استكمال الإبادة وتهجير الغزّاويين.
في ظروف دولية لم تعد تسمح باستمرار دعم أميركا لإسرائيل في حربها، لا بل بات هذا الدعم يشكّل خطرًا معنويًّا كبيرًا على الدولتين أمام الرأي العام العالمي، وبعد ان أصبحت حماس بحكم الساقطة عسكريًّا وسياسيًّا، قرّر ترامب وقف الحرب طارحًا خطّته للسلام.
وإذا كانت خطّة ترامب تهدف الى حكم غزّة من خلال مجلس ولجان وقوى أمن، عربيّة ودوليّة، أي من خارجها بشكل عام مع مشاركة بعض الفلسطينيين التكنوقراط، فضلا عن التمويل الخارجي لإعادة الاعمار، فإنه من الصحيح القول ان ترامب يريد "الإعمار بالإستعمار"، في غياب ممثلين عن حماس والسلطة الفلسطينيّة، وهذه الأخيرة مُطالبة بإجراء إصلاحات، أي بتقديم شهادة حسن سلوك قبل تأهيلها الى دور قيادي. وقد كان لافتًا أيضا في كلمات ترامب عدم إشارته الى معاناة الغزّاويين والإكتفاء بالتعاطف مع الإسرائيليين.
مع ذلك لست من الذين يدعون الى رفض خطّة ترامب للسلام. فكاذب كل من يقول ان الخيار هو بين سلام الاستسلام الذي يطرحه ترامب وسلام عادل لا أحد يدري كيف يمكن ان يحلّ على فلسطين في ظل عدم توازن القوى، على المستوى التكنولوجي والعسكري والاقتصادي. الخيار الفعلي اليوم هو بين الاستسلام عن طريق سلام ترامب أو الاستسلام عن طريق استمرار الحرب، والفرق شاسع بين الاستسلامين. ففي حين ان الاستسلام عن طريق الحرب لا أفق له سوى الإبادة والتهجير، ان الاستسلام عن طريق سلام ترامب قد يفتح الباب أمام تشكّل قوى سياسيّة فلسطينيّة في غزّة وفي الضفة، بعيدًا من الإسلام السياسي ونهجه الذي تسبّب بالنكبة الفلسطينية الثانية، وبعيدًا أيضًا من تأثير الجماعات الفاسدة في أوساط السلطة الفلسطينيّة. قوى فلسطينيّة جديدة تعمل بجميع الوسائل السلمية من أجل ملاقاة الرأي العام العالمي المؤيّد للقضيّة الفلسطينيّة ولمشروع حل الدولتين.
بعد يومين من إلقاء أميركا قنبلتها الذرية على هيروشيما في اليابان، كتب البير كامو: "السلام هو المعركة الوحيدة التي تستحق خوضها". فرحة الغزاويين بوقف الحرب وبالبقاء على قيد الحياة، رغم خطة ترامب غير العادلة للسلام ورغم كل المآسي والخراب الذي يحيط بهم، تطرح أمام القوى الفلسطينية المتمسكة بالحرية وبزوال الاحتلال، مسؤولية الاتفاق على نهج وطني تحرري جديد في سياق عمل نضالي سلمي يؤدي الى السلام، ويعلي من شأن الحفاظ على الحياة بوجه الايديولوجيات الاصولية التي تقدس الموت.
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي
12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي
12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.
اقتصاد وأعمال
12/11/2025 10:44:00 AM
تكمن أهمية هذا المشروع في أنه يحاول الموازنة بين 3 عوامل متناقضة: حاجات المودعين لاستعادة ودائعهم بالدولار الحقيقي، قدرة الدولة والمصارف على التمويل، وضبط الفجوة المالية الهائلة التي تستنزف الاقتصاد
نبض