بعيداً من بورصة الأسماء... من يكون الحاكم الأنسب لمصرف لبنان؟
محمد فحيلي*
مع اكتمال السلطة التنفيذية، بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، انطلق الحديث عن التعيينات في قيادات الصف الأول وعلى رأسها تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان. وتتزايد الأسئلة حول الشخصية الأنسب لهذا المنصب الحساس في ظل الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة التي يمر بها لبنان.
فقد أثبتت التجارب السابقة أن مجرد الكفاءة التقنية والخبرة المالية ليستا كافيتين لضمان نجاح الحاكم الجديد، بل يجب أن يمتلك هذا الشخص مجموعة من المهارات القيادية والصفات الشخصية التي تمكنه من استعادة الثقة بالاقتصاد الوطني، من خلال إستعادة دور القطاع المصرفي اللبناني وانتظام العمل فيه، وضمان عودة النقد الوطني ليكون العملة المعتمدة والأساس في التبادل التجاري في الداخل اللبناني، وكلاهما ليسا بالمهمتين السهلتين اليوم.
كان لحاكم مصرف لبنان في السنوات الماضية، بما يتمتع به من صلاحيات أعطيت له بموجب قانون النقد والتسليف، الدور الأكبر في تمويل فساد الطبقة السياسية الحاكمة، وأيضاً في إنقاذها في فشلها. وهذا ما يجب ألا يكون جزءاً من المشهدية المالية في السنوات المقبلة.
حذارِ التسوف والمماطلة في تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان من أجل ضمان استمرار ما شهده لبنان في السنوات الخمس الماضية -نأي الطبقة السياسية بنفسها عن إدارة الأزمات التي يتخبط بها لبنان ومعالجتها وتكليف مصرف لبنان إدارة الأزمات. العين اليوم والأمس وغداً هي على مصرف لبنان وحاكمه.
المؤهلات والكفاءات المطلوبة
لا شك في أن الحاكم الجديد يجب أن يكون خبيراً في المجالين النقدي والمالي، وهذا هو الانطباع العام. الحقيقة هي أنه ليس من الضروري أن يكون مصرفياً لأن الإلمام بتقنيات العمل المصرفي هي من مهمات لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة.
على رئيس السلطة النقدية:
-أن يمتلك رؤية واضحة لكيفية إخراج لبنان من أزمته المصرفية.
-أن يكون رجل دولة بحكم دوره كشريك أساس في صناعة السياسات الإقتصادية.
-أن يمتلك القدرة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي والجهات الدولية الأخرى لتحقيق إصلاحات حقيقية.
-يجب أن يكون لديه فهم عميق لكيفية إعادة هيكلة القطاع المصرفي ووضع سياسات نقدية قادرة على تحقيق الاستقرار النقدي وإدارة الاحتياطيات بفعالية.
إضافة إلى ذلك، من الضروري أن تكون لدى الحاكم الجديد خبرة واسعة في الشؤون الاقتصادية، من موقعه كداعم أساسي في تنفيذ هذه السياسات وضمان إستدامتها، بما يشمل السياسات المالية وإدارة الدين العام، وذلك لضمان التنسيق بين السياسة النقدية والمالية العامة للدولة.
ليس من الخطأ إطلاقاً أن يمنح حاكم المصرف المركزي رتبة "ضابط الإيقاع الإقتصادي،" وبفضل مهارته (أو مهاراتها) إما يساهم في إنقاذ لبنان وإنعاشه ووضعه على سكة التعافي والنمو الاقتصادي، وإما إلى كثير من الهلاك.
القانون أساس الحكم ولذلك ينبغي على حاكم المركزي أن يكون على دراية تامة بالتشريعات المصرفية وقوانين الامتثال، بخاصة في ظل الرقابة الدولية المشددة التي يخضع لها القطاع المالي اللبناني بعد إدراج البلاد على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي.
الصفات الشخصية المطلوبة
في ظل التعقيدات السياسية والتدخلات الخارجية والمحلية في عمل مصرف لبنان، لا بد من ىأن يتمتع الحاكم الجديد بشخصية قوية ومستقلة قادرة على اتخاذ قرارات جريئة من دون الانصياع للضغوط السياسية أو المصالح الفئوية. فالمرحلة القادمة تتطلب شخصية تتسم بالنزاهة والشفافية والمناقبية المهنية، قادرة على مواجهة الفساد وإخضاع القطاع المصرفي للمساءلة والمحاسبة، بما في ذلك الكشف عن السياسات المالية المشبوهة التي ساهمت في انهيار النظام المالي اللبناني. من الخطأ جداً التخفيف من أهمية تحضير دراسة شاملة وموضوعية عن الأسباب الموجبة التي أوصلت لبنان إلى هذه الأزمة التي لا سابق لها.
أهمية دور الحاكم في الوضع الاقتصادي
حاكم المصرف المركزي هو الشريك الأساس في إنتاج القرار الاقتصادي في لبنان ومعظم دول العالم، مع وزارة المال ووزارة الاقتصاد من ضمن التوجهات العامة للبيان الوزاري للحكومة الذي ينبثق عن خطاب القسم والذي يحدده رئيس الجمهورية. بات واضحاً للجميع أن مسببات الأزمة التي يعيشها لبنان منذ أعوام عديدة وكانت مزيجاً من نقدية ومالية، ومن خلفها سوء إدارة المالية العامة وطريقة تمويل العجز عاماً بعد عام من خلال مصرف لبنان، الذي كان يسن الإرشادات والقوانين والقرارات التنظيمية، لمنح المصارف إغراءات حتى تضع ما توفر لديها من سيولة في مصرف لبنان ويستخدمها بدوره لتغطية العجز.
أهمية رئيس السلطة النقدية تكمن في قدرته على الحفاظ على سلامة القطاع المصرفي القادر على خدمة المجتمع اللبناني من أفراد ومؤسسات، من خلال ضمان الإستقرار النقدي والنمو الاقتصادي وتوفير الفرص للمواطن اللبناني. وهنا تكمن ضرورة أن يكون التفاهم على اسم حاكم مصرف لبنان لمصلحة الوطن، خصوصاً أنه خلال الأعوام الماضية كان هناك نوع من التناحر والتنافس بين مصلحة مكونات الطبقة السياسية الحاكمة ومصلحة الوطن والمواطن على السيولة المتوافرة في لبنان، ونجحت السلطة، لسوء الحظ، في السيطرة على هذه الثروة وأبدعت في فسادها وإهدارها للمال العام أكثر من حرصها على البلد، وخسر الوطن والمواطن نتيجة هذا الأداء السياسي العاطل الذي كانت له تداعيات اقتصادية واجتماعية مدمرة الاستقرار الاقتصادي والأمان الإجتماعي.
التحديات الكبرى أمام الحاكم الجديد
تبقى التحديات التي ستواجه الحاكم الجديد وهي كثيرة، وأهمها:
1. تحسين التصنيف الائتماني للبنان.
2. الوصول إلى برنامج إنقاذ وتمويل مع صندوق النقد الدولي.
3. إعادة الانتظام للقطاع المصرفي.
4. إعادة هيكلة القطاع المصرفي
5. إستعادة كرامة النقد الوطني.
ولنعترف بصعوبة فصل السياسة عن الاقتصاد وضرورة أن يتمتع رئيس السلطة النقدية بالقدرة والحنكة على التعاون مع السلطات الأخرى من أجل خدمة الاقتصاد والوطن، وأن يتحول شركاؤه، وهم رجال سياسة، إلى رجال دولة.
يجب تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان بناءً على معايير الكفاءة والنزاهة والاستقلالية عن السياسة وليس عن الدولة ـ السلطة النقدية هي دائماً ضحية الأداء السياسي الفاشل - ولكنها شريك فاعل للدولة.
*باحث في كلية سليمان العليان للأعمال (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، استراتيجي مخاطر، اقتصادي سياسي ونقدي.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية
نبض