هل يُحيي قرار مجلس الأمن بشأن ملف الصحراء اتحاد المغرب العربي؟
حين اعتمد مجلس الأمن قبل أيام قراراً لصالح المغرب في ملف الصحراء، بدا وكأن التصويت يعالج ملفاً ثنائياً أو ثلاثياً محدوداً في رقعته الجغرافية. لكنه في الحقيقة أعاد إلى الواجهة أسئلة أكبر، من قبيل: ما تأثير هذا القرار على المنطقة المغاربية ككل؟ وإلى أي مدى يمكن أن يمهّد لعودة الحياة إلى هيكل الاتحاد المغاربي الذي يرقد في الإنعاش منذ نحو ثلاثة عقود؟ وهل يمكن أن ينعش آمال شعوب المنطقة في تحقيق وحدة اقتصادية تغيّر وجهها؟
عقدة مركزية
منذ تأسيسه عام 1989، كان الخلاف حيال ملف الصحراء بين المغرب والجزائر واحداً من أبرز العراقيل أمام كل محاولات الاندماج السياسي والاقتصادي التي رفعتها دول المغرب العربي.
وقد حال هذا الملف دون نجاح كل المبادرات الهادفة إلى تحقيق التكامل وخلق تكتل اقتصادي وسياسي يعود بالنفع على شعوب الدول الخمس المنضوية فيه، حتى أنه كان، وفق عدد من المراقبين سبباً وراء محاولة الجزائر إنشاء تكتل بديل يضم تونس وليبيا، لم يُكتب له هو الآخر أن يتطور.
تطوّر لافت
تصويت مجلس الأمن الأخير، الذي وافق على مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها "الأكثر واقعية ومصداقية"، استُقبل في الرباط بفرح كبير، وعُدّ مكسباً ديبلوماسياً يعزّز موقعها في النزاع.
أما في الجزائر، التي جددت تمسّكها بفكرة "تقرير المصير"، فقد نُظر إليه على أنه "انحياز دولي لصالح المغرب".
مع ذلك، تقول الكاتبة والمحللة السياسية آسيا العتروس، لـ"النهار"، إن هذا التصويت يضع المنطقة أمام مشهد سياسي جديد "يعيد الحديث عن التكامل المغاربي واتحاد المغرب العربي"، في زمن باتت التكتلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية عنوان المرحلة بامتياز.
وتضيف أن ملف الصحراء كانت تكلفته باهظة على شعوب المنطقة المغاربية، التي "رغم تركيبتها السكانية الشابة وثرواتها الكبيرة التي تجعلها قادرة على التأثير في أفريقيا وآسيا، ظلت رهينة هذا الصراع طوال خمسين سنة".

فرصة... ولكن
ورغم التباين في تقييم قرار مجلس الأمن، لم يمنع ذلك عدداً من المراقبين من التفاؤل بإمكانية أن يشكّل القرار مدخلاً لإحياء اتحاد المغرب العربي بعد طيّ صفحة أقدم نزاع إقليمي في أفريقيا.
ويقول وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس، لـ"النهار"، إن هذا القرار "جيّد"، ويمكن أن يمهّد لعودة الروح إلى اتحاد المغرب العربي، لأنه – في تقديره – "سيحلّ العقدة المركزية التي كانت دائماً حاجزاً أمام أي محاولة لتوحيد شعوب المنطقة".
لكن ونيس يرى أن "التصويت قد يكون مدخلاً لوحدة مغاربية إذا كان نابعاً عن إرادة جزائرية".
ويضيف: "الوقت لا يزال مبكراً للحكم على تداعيات هذا القرار على المنطقة المغاربية وعلى الاتحاد، لكن إذا كانت الجزائر، بتغيّبها عن التصويت، قدّمت تنازلات من أجل إيجاد حل لهذا الملف، فهذا يعني أننا فعلاً قد نطوي صفحة الخلاف مستقبلاً. أما إذا كان التصويت نتيجة ضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد تتغيّر الأمور بعد عام، وهي المهلة التي حدّدها مجلس الأمن قبل إعادة طرح الملف مجدداً على طاولة النقاش الأممي".
ويشدد ونيس على أن التصويت "إيجابي في كل الحالات، ويمكن البناء عليه مستقبلاً".
الدور الأميركي
تقول العتروس إن التصويت جاء بعد جولة قام بها مسعد بولس، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى شمال أفريقيا، شملت الجزائر والمغرب، أعقبتها تسريبات تفيد بأن واشنطن تعمل على تسيير وساطة لحل الخلاف بين البلدين.
وتعتبر أنه "إذا صحت هذه التسريبات، فنحن أمام تطور مهم في المنطقة".
لكنها تؤكد ضرورة التعامل مع هذه التطورات بحذر، موضحة أن "القرارات التي يصوَّت عليها داخل مجلس الأمن لا تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع في حالات كثيرة"، وتضيف أن "الواقعية تفرض عدم توقع تغييرات كبيرة بين عشية وضحاها، لأن طي صفحة هذا النزاع يحتاج إلى وقت طويل".
وتتابع العتروس: "لا نعرف بعد كيف سيكون رد فعل المجتمع الصحراوي على هذا التصويت، كما أن الجزائر لم تكشف بعد عن موقف واضح بشأنه".
وتشير إلى أن العراقيل على الأرض كبيرة، فـ"نحن إزاء لغم خلّفه الاستعمار الإسباني، تسبب في توتر العلاقات بين دول المنطقة، وأبقاها في حالة بين الحرب واللاحرب".
وتختم بالقول إن "هذا التصويت والانحياز الدولي للطرح المغربي قد يشكّلان فرصة لبداية حل هذا الصراع، خصوصاً أن الملك المغربي محمد السادس أعلن مباشرة بعد القرار مدّ يده للحوار مع الجزائر".
وتبقى حقيقة الأمر أن القرار الأممي الجديد بخصوص ملف الصحراء لن يحيي اتحاد المغرب العربي ما لم تتوافر إرادة سياسية حقيقية لإعادة الروح إليه.
نبض