تأثير تغيّر المناخ على الزراعة في مصر... محاصيل تنمو وأخرى تخبو
يلقي تغيّر المناخ بظلاله على مختلف جوانب الحياة في مصر، ويُعدّ القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تأثّراً بالتغيّرات المتسارعة. فمع اضطراب فصول العام، يواجه المزارعون المصريون تحدّيات متزايدة تُنذر بانخفاض الإنتاجية الزراعية في الموسم المقبل.
ويتخوّف الخبراء من تفاقم هذه التحديات في حلول عام 2025، ما قد يهدّد منتوج العام ويعمّق الأزمة. في هذا التقرير، تستعرض "النهار" أبرز التحدّيات التي تواجه القطاع الزراعي في مصر نتيجة لتغيّر المناخ، والجهود المبذولة للتكيّف مع هذه التغيّرات.
شتاء مبكر
يفيد رئيس مركز معلومات تغيّر المناخ والنظم الخبيرة في وزارة الزراعة الدكتور محمد علي فهيم، بأن أخطر الأعراض السلبية للتغيرات المناخية هو التداخل بين الفصول. ويقول لـ"النهار" إن "الموسم الجديد شهد ظاهرة غريبة، وهي قدوم الشتاء مبكراً عن موعده في 21 كانون الأول (ديسمبر) بنحو شهر"، مضيفاً: "إذا قارنت قيم درجات الحرارة هذا العام بالعام الماضي، ستجد أنها انخفضت في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ومطلع كانون الأول (ديسمبر) من عام 2024 بنحو أربع أو خمس درجات مقارنة بما كانت عليه في عام 2023، ما يُعدّ معدلاً كبيراً في انخفاض الحرارة بين الموسمين".
وحمل الحلول المبكر لفصل الشتاء في طياته آثاراً متباينة في العام الجديد، فبينما بشّر ببعض الإيجابيات، كانت له سلبيات أيضاً، من أبرزها، كما يشير الخبير الزراعي، انخفاض معدل إنبات محاصيل مهمّة كالقمح والفول البلدي والخضروات، ما ينذر بتراجع إنتاجها النهائي.
وتعزّز البرودة بعض الأمراض التي تصيب النباتات، مثل مرض الصدأ الأصفر، بالإضافة إلى بعض الأمراض التي تصيب الفراولة، والفول، وبنجر السكّر.
تُهدّد البرودة المتزايدة القمح بمرض الصدأ الأصفر
إيجابيّات البرودة القارصة
ورغم التوقّعات بانخفاض إنتاج بعض محاصيل الشتاء، قلّل فهيم من شأن هذا التأثير، مشيراً إلى أنّه "محدود مقارنةً بالخسائر الجسيمة التي خلّفتها موجة الحرّ القائظ في صيف 2024".
وأكّد أنّ "للشتاء المبكر فوائد جمّة، لا سيّما لأشجار الفاكهة المتساقطة الأوراق، كالخوخ والمشمش والتفّاح والعنب والبرقوق والرمّان، فالشتاء البارد يلبّي حاجات هذه الأشجار من البرودة، ما يعزّز تفتّح البراعم في الربيع، ويمنحها المزيد من الاستقرار. وهذا بخلاف أشجار الموالح والمانغو والموز".
ويلفت فهيم إلى أنّ "المزارعين الذين بادروا إلى زراعة القمح في مطلع تشرين الثاني سيتمكّنون من التكيّف مع التغيّرات المناخية وتجنّب الخسائر الكبيرة"، مؤكّداً أنّ "الشتاء الطويل يعود بالنفع على محصول القمح".
ومن بين إيجابيات الشتاء الطويل أيضاً، الحدّ من الآفات الحشرية، إذ تفقد البرودة القارصة الحشرات البيئة التي تحفّزها على التكاثر، وتالياً إلحاق الضرر بالنباتات.
تلف المحاصيل
أمّا أستاذ الاقتصاد الزراعي في المركز القومي للبحوث الزراعية الدكتور يحيى متولي فيشرح لـ"النهار" أنّ "ارتفاع درجات الحرارة يتلف المحاصيل الزراعية، لا سيّما الخضر، ما يؤدّي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار".
ويوضح متولي إنّ "نسبة التالف من محاصيل الخضروات بسبب الحرارة المرتفعة تصل إلى 30 في المئة"، ويقترح إنشاء مصانع صغيرة بجوار الأراضي الزراعية لتصنيع بعض المحاصيل، مثل البازلاء والكوسا واللوبياء والفاصولياء، فور حصادها، تجنّباً لتلفها، إضافة إلى تحديث عملية النقل ذاتها للتغلّب على عقبة الحرارة القاسية.
في فصل الصيف
ورغم الأضرار الكبيرة التي يتسبّب بها ارتفاع درجات الحرارة لمحاصيل الخضروات، يُعدّ القطن من المحاصيل التي تساعد الحرارة المرتفعة على التوسّع في زراعتها، بحسب متولّي.
يطالب المتخصّصون بتحديث عمليّات الريّ
التكيّف مع التغيّرات
ويأتي الإنذار المبكر على رأس الجهود التي تتخذها الحكومة المصرية لمجابهة التغيّرات المناخية في القطاع الزراعي، ويقول فهيم إنّ "التنبّؤ والتحذير المبكر من الظواهر المناخية مثل الرياح أو الأمطار يساعدان المزارعين على التكيّف مع الآثار السلبية للتغيّرات المناخيّة". ويضيف: "المزارعون بات لديهم وعي كبير بقضية تغيّر المناخ مقارنة بفترات سابقة، إذ يسعى المزارع المصري إلى معرفة أحوال الطقس أوّلاً بأوّل، لمحاولة التكيّف مع التغيّرات المناخية الطارئة".
ويرى متولي، من جهته، "ضرورة التوسّع في البحث العلمي ودراسة كلّ محصول على حدة، ومحاولة فهم التغيّرات المناخية التي تؤثّر على دورة نموّ النباتات، ومن ثمّ يمكن التوصّل إلى حلّ يخصّ كلّ نبات ومعرفة حاجاته، على سبيل المثال ريّ النبات كلّ ثلاثة أيام بدلاً من أسبوع".
ويشدّد متولي على ضرورة تكثيف جهود تعيين المرشدين الزراعيين، الذين يعملون حلقة وصل بين الباحثين الزراعيين والفلاحين، لتقديم النصح والإرشاد المستمرَّين، بخاصةً في ظلّ هذه التحوّلات، مذكّراً بأنّ الحكومة أوقفت تعيين المرشدين الزراعيين منذ حوالى ثلاثة عقود، ما أضرّ بوعي الفلاحين بالعملية الزراعية.
ويرى متولي أيضاً، "ضرورة تحديث العمليات الزراعية بما تطلبه من آلات حديثة، وطرق ريّ مبتكرة، بالإضافة إلى استعمال أسمدة وأدوية عالية الجودة، فهذا الجهد يساعد في نهاية المطاف على التكيّف مع التغيّرات المناخية".
وهكذا، وسط مخاوف مشروعة وتطمينات رسمية، يطمح القائمون على القطاع الزراعي في مصر إلى تجاوز أزمة التغيّرات المناخية التي تزداد حدّتها عاماً بعد عام، متمنّين أن يكون العام 2025 أقلّ ضرراً على المحاصيل الزراعية التي تعتمد عليها الحكومة المصرية، كما حدث في عام 2024، ففي الفترة من كانون الثاني (يناير) من هذا العام وحتّى نهاية تشرين الأول (أكتوبر)، تجاوزت صادرات المنتجات الزراعية 7.1 ملايين طنّ، بقيمة 4.1 مليارات دولار، بزيادة فاقت المليار دولار عن الفترة نفسها من العام السابق.
نبض