تونس بين 2024 و2025... تثبيت مشروع سعيد السياسيّ
كانت الانتخابات الرئاسية وما سبقها وما رافقها وما تبعها من جدل أبرز حدث عاشته تونس عام 2024 الذي يتفق التونسيون على أن تداعياته ستتواصل عام 2025.
ففي شهر تموز (يوليو) الماضي، وبعد انتظار وتشكيك من المعارضة، أعلن الرئيس قيس سعيّد تنظيم انتخابات رئاسية في شهر تشرين الأول (أكتوبر) كانت المحطة الأخيرة في الخريطة السياسية التي أعلنها للخروج من مرحلة التدابير الاستثنائية.
وتقول المحللة السياسية أحلام العبدلي لـ"النهار" إن الانتخابات الرئاسية التي تصفها بـ"أهم حدث عاشته تونس عام 2024" ثبّتت مشروع الرئيس سعيد الذي انطلق يوم 25 تموز 2021 وقطعت نهائياً مع ما سبقه.
ولم يمر إجراء الانتخابات الرئاسية من دون أن يخلق أزمةً سياسيةً جديدةً في البلد، إذ أثار تغيير شروط الترشح لهذه الانتخابات حفيظة المعارضة التي اعتبرت ذلك "خطوةً نحو مزيد من التضييق على رموزها".
وحالت الشروط الجديدة دون ترشّح أسماء معارضة معروفة بعضها يقبع في السجن.
وبلغت الأزمة ذروتها عندما رفضت المحكمة الإدارية وهي الجهة القانونية التي يحقّ لها النظر في طعون المرشحين قرار إسقاط 3 أسماء من قائمة من قبلت ترشيحاتهم، لكن هيئة الانتخابات رفضت تنفيذ قرارها.
ولم تنته الأزمة بين الطرفين إلّا بتدخّل مجلس النواب الذي أقر قبل 10 أيام من موعد الانتخابات تعديلاً للقانون الانتخابي لم يُعِدْ بموجبه النظر في النزاعات الانتخابية من صلاحيات المحكمة الإدارية.
وفيما تم توقيف أحد المرشحين الثلاثة العياشي الزمال بتهمة تدليس تزكيات الناخبين، أجريت الانتخابات وأعلن فوز الرئيس سعيد بها في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) بنسبة 90 في المئة.
ورغم إقرارها بفوز سعيد بالعهدة الثانية تواصل المعارضة تنديدها بما تعتبره "تضييقاً عليها وعلى رموزها".
انتخابات أعضاء أول غرفة تشريعية ثانية
وفي شهر شباط (فبراير) أجريت انتخابات الغرفة التشريعية الثانية أو ما يُعرف بمجلس الجهات والأقاليم ولم تشهد هذه المحطة الانتخابية الأولى إقبالاً من التونسيين إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 13 في المئة.
وهذه المرة الأولى تعتمد فيها تونس تجربة العمل بغرفتين تشريعيّتين، والغرفة التشريعية الثانية هي من أبرز مقوّمات المشروع السياسي للرئيس سعيد الذي قال إن هذا التوجه يهدف إلى تكريس الحكم المحلي ويعيد السيادة والحكم للشعب وهو الشعار الذي رفعه منذ ترشحه لأول مرة للرئاسة في عام 2019.
تواصل المحاكمات
وطيلة الأشهر 12 الماضية تواصلت المحاكمات ضدّ عدد من الموقوفين من رجال السياسة والإعلام والأعمال بتهم متنوعة بعضها يتعلّق بالمرسوم عدد 54 الذي يجرّم الإساءة للغير على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان توقيف عدد من الإعلاميين من أبرز الاعتقالات التي أثارت جدلاً كبيراً في البلد. وفيما تقول السلطات إنها "جاءت إنفاذاً للقانون"، قالت المعارضة إنها تدخل في "باب التضييق على كل الأصوات المعارضة للسلطة".
وفي هذا السياق صدرت أحكام بالسجن ضدّ عدد من السياسيين من بينهم رئيس مجلس النواب السابق ورئيس حزب "حركة النهضة" راشد الغنوشي.
التعويل على حكومة اجتماعية
وفي شهر أيلول (سبتمبر) الماضي قرر الرئيس سعيد إجراء تعديل وزاري واسع شمل رأس الحكومة وعدداً كبيراً من الوزراء وعيّن بموجبه كمال المدوري رئيساً للحكومة خلفاً لأحمد الحشاني.
وتوصف حكومة المدوري بأنّها حكومة اجتماعية في الأساس لكنّ المحلل السياسي إبراهيم الغربي يتوقّع أنها ستواجه العديد من التحدّيات في هذا السياق عام 2025 ويقول: "لا يخفى على الجميع أنّ تونس تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية بالجملة ولا يبدو أن عام 2025 سيكون مختلفاً لأنّ الحلول في بيد الحكومة قليلة".
لكن العبدلي تعتقد أن "التركيز في 2025 سيكون على تجاوز الأزمات الاجتماعية والاقتصادية من خلال الذهاب نحو مشاريع وإصلاحات سيكون الهدف منها تغيير واقع التونسيين الذين يعانون بفعل التغييرات العالمية وإرث منظومة الحكم السابق".
لا تغيير في أفق 2025
وتعتبر العبدلي أن تونس تعيش مرحلة استقرار سياسي هي الأوضح منذ 2011 "فقد تمّ تركيز كل مؤسسات الدولة بإجراء كل الاستحقاقات الانتخابية"، مشيرة إلى أنّها "الأكثر استقراراً أمنياً وسياسياً في المنطقة".
لكن الغربي يرى أن المشهد السياسي في تونس لن يعرف تغييراً في عام 2025، وفي تقديره فإن الرئيس سعيد مصمّم على تطبيق المشروع السياسي الذي بدأت ملامحه تتوضّح وهو ما يُستشفّ من خطاب التنصيب في البرلمان، كما أنه "ماض في مسار المحاسبة الذي يعتبر أحد شعارات حملته الانتخابية وأهداف عهدته القادمة".
وفي المقابل يُتوقع أن يستمرّ تشتّت المعارضة وضعفها ويقول "هذا نلمسه في مواقفها ما بعد إعلان نتائج الانتخابات فقد اختفت تقريباً من المشهد، وهو ما يؤكّد الفكرة التي يحملها التونسي عنها بأنّها لا تتحرّك إلّا في المواسم الانتخابية".
نبض