تشابك القوى الإقليميّة والدوليّة يعيق حلّ أزمة "قسد"

المشرق-العربي 30-12-2025 | 06:09

تشابك القوى الإقليميّة والدوليّة يعيق حلّ أزمة "قسد"

شهدت الأحياء ذات الغالبية الكردية في شمال مدينة حلب اشتباكات مرتين خلال أسبوع واحد، هدّدت بوأد اتّفاق 10 آذار /مارس بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي.
تشابك القوى الإقليميّة والدوليّة يعيق حلّ أزمة "قسد"
مسلحان من "قسد" في الرقة. (أ ب)
Smaller Bigger

مع قرب انتهاء مهلة نهاية العام الحالي لتحقيق الاندماج المنشود محلياً والمدعوم أميركياً لقوات سوريا الديموقراطية (قسد) مع الجيش السوري الجديد، تتزايد الإشارات إلى انسداد الأفق الديبلوماسي بين الجانبين في ظل تصاعد وتيرة التوتر الميداني بينهما.
وشهدت الأحياء ذات الغالبية الكردية في شمال مدينة حلب اشتباكات مرتين خلال أسبوع واحد، هدّدت بوأد اتّفاق 10 آذار /مارس بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، لولا الاحتواء السريع، وسط تصعيد حكومة دمشق من لهجتها ضد حلفاء واشنطن الذين وصفهم بيان وزارة الداخلية بـ"الميليشيات" لأول مرة.

لعبة المفاوضات بين السيطرة والمرونة
لا تقتصر معضلة دمج "قسد" في الجيش السوري على الجانب العسكري فقط، فالمسألة، إلى جانب ارتباطها المباشر بالسياسة الداخلية والهوية المحلية، تُعدّ حجر الزاوية في إعادة بناء الدولة السورية المنهارة، وسط تحديات جسيمة تستمر في إعاقة أي تطبيق عملي للاتفاقات والرؤى المعلنة، ما يثير تساؤلات بشأن مستقبل سوريا السياسي والأمني.
تستمر "قسد" في إبداء استعدادها للجلوس إلى طاولة التفاوض مع دمشق، مع الإصرار على شروطها الواضحة: الحفاظ على بنية قواتها الداخلية، وضمان استمرارية وحدات مكافحة الإرهاب، مع دمج تدريجي داخل الجيش السوري ضمن فرق متخصصة.
رفض "قسد" للانصهار الكامل، والذي يعني تفكيك هيكلها التنظيمي تماماً، مردّه الخوف من خسارة المكتسبات السياسية والأمنية، ولكن الأهم، الخشية من تعرّض مقاتليها الذين حاربوا "داعش" والفصائل المتطرفة المتحالفة معها، لمخاطر مباشرة.
تقدّم "قسد" نفسها كشريك مسؤول، قادر على التكيف مع الدولة المركزية، مع حماية هويّتها ومصالحها، عبر نموذج "الفرق المدمجة"، إذ يتم دمج مقاتليها تدريجياً في وحدات الجيش، مع الاحتفاظ بهيكل تنظيمي داخلي محدود يضمن التنسيق العسكري والسياسي وإدارة المناطق التابعة للإدارة الذاتية، سواء تلك التي تحتوي على غالبية كردية، أو الأخرى ذات الغالبية العربية، والتي تنظر إليها بكونها الأكثر أماناً اليوم مقارنة مع باقي المناطق السورية.
هذه الصيغة تمنح دمشق نوعاً من السيطرة على الأرض، لكنها تتيح لـ"قسد" الاحتفاظ بمرونتها وقدرتها على إدارة ملفات الأمن الداخلي وحماية المكتسبات المحلية.
لكن هذا التوجه، وإن كان إيجابياً نظرياً، إلا أن تطبيقه العملي يتّسم بالعديد من المشكلات. فدمج فرق متخصصة يتطلب وجود خطط تدريبية موحدة، وآليات قيادة مشتركة، وتنسيقاً استخباراتياً فعالاً، وهو بعيد كل البعد حتى الساعة عن منهج الجيش الجديد القائم على تدريبات "شرعية" ونظرية.
كذلك، فإنّ عامل الثقة المتآكلة يصعّب من هذه المهمة. تخشى دمشق أن يؤدي وجود هيكل مستقل داخل الجيش إلى خلق "جيش داخل الجيش" يمكن أن يُستغل سياسياً في المستقبل، فيما تخشى "قسد" أن يؤدي الانصهار الكامل إلى فقدان تأثيرها على مناطقها.

 

عنصران من الأمن السوري في حلب. (أ ب)
عنصران من الأمن السوري في حلب. (أ ب)

 

"قسد" تواجه جدارين
على الجهة المقابلة، تواصل دمشق ضغوطها على "قسد"، مدفوعة برغبة في استعادة السيطرة الكاملة على شمال سوريا وشرقها، وهو ما انعكس في تحركات عسكرية وسياسية مكثفة خلال الأيام الأخيرة، إذ زادت التصريحات الرسمية السورية من حدّة التحذير من مغبّة رفض "قسد" للدمج الكامل وفق الرؤية المحلية-التركية.
ولإدراكها أن الأحياء في شمال حلب ذات الغالبية الكردية هي الخاصرة الضعيفة لـ"قسد"، فإن رسائل دمشق النارية في كل مفصل ديبلوماسي تكون عبر قناة الحيّين الكرديّين في الشيخ مقصود والأشرفية، وهو ما حصل بعد ساعات من انتهاء "الإنزال السياسي" الذي قامت به أنقرة بإيفاد وزيري الخارجية والدفاع ورئيس الاستخبارات إلى دمشق الأسبوع الماضي.
تركيا التي تعتبر "قسد" امتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني"، لعبت دوراً مركزياً في تصعيد الوضع، من خلال الضغط العسكري والسياسي، وكذلك عبر دعم مجموعات محلية معارضة لـ"قسد". تعمل أنقرة على منع أي تشكيل عسكري مستقل يتمتع بحقوق تنظيمية داخل الدولة السورية، وهو ما يعقّد جهود الدمج ويجعل أي صيغة اتفاقية عرضة للعرقلة.
التصعيد التركي يظهر بوضوح في التحذيرات المستمرة، ومن خلال التحركات العسكرية على الحدود، وكذلك الضغط على الولايات المتحدة لتقييد الدعم العسكري لـ"قسد"، خاصة في المناطق الحدودية مع تركيا.
هذا التصعيد السوري-التركي انعكس أيضاً، إلى جانب التصعيد الخطابي والميداني، من خلال ما قيل إنه "رفض" زيارة عبدي إلى دمشق للدفع بالمسار المتعثر نحو الأمام، لكن "قسد" أوضحت الاثنين أنّ أسباب تأجيل الزيارة "تقنية"، مؤكدة أنه "سيتم تحديد موعد جديد للزيارة في وقت لاحق يتم الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية".

 

التوازنات الدقيقة تتصدّع
الولايات المتحدة التي لعبت دوراً رئيسياً في دعم "قسد" خلال السنوات السابقة، تبنّت موقفاً أكثر اعتدالاً مع تصاعد الأزمة. واشنطن تدرك أن أي تصعيد مباشر بين دمشق و"قسد" قد يفتح الباب للفوضى، ويعيد "داعش" وخلاياها المنتشرة بتسميات مختلفة إلى الواجهة، كما يهدد الاستقرار الإقليمي ويضعف القدرة الأميركية على التأثير في سوريا.
لذلك، تسعى واشنطن إلى خفض التصعيد من خلال التوسط لاستمرار اللقاءات والمفاوضات، مع التشديد على ضرورة دمج "قسد" ضمن الدولة السورية بطريقة تحفظ مكتسباتها وتمنع، في الوقت ذاته، وجود قوة مستقلة خارج الدولة.
لكن الرغبة الأميركية في تخفيف التوتر لا تحل جميع العقد. فالاختلافات الجوهرية بين دمشق و"قسد" حيال شكل الدمج والحقوق الإدارية والسياسية، بالإضافة إلى تأثير تركيا وضغوطها على الملف، تعني أن واشنطن لا تستطيع فرض حلول نهائية، بل يمكنها فقط إدارة الأزمة وتوجيه مسارها نحو تخفيف المخاطر.
تشير المعطيات الحالية إلى تعثّر تنفيذ اتّفاق 10 آذار ضمن المهلة المحددة أميركياً بسبب الخلافات الجوهرية وضغوط تركيا ورفض دمشق للمرونة، ما يزيد من احتمالات بقاء الوضع على حاله مع هدنة هشّة، وهو ما يفتح الباب أمام استمرار وجود "قسد" كقوة شبه مستقلة، وتعليق أي دمج فعلي، واستمرار التوترات الأمنية، مع زيادة احتمالات تحرّك الفصائل التابعة لتركيا في ريف حلب الشمالي، والأخرى في أحياء مدينة حلب ذات الغالبية الكردية.
وسط تشابك العوامل المحلية والإقليمية والدولية لتحديد شكل سوريا المقبلة، يمكن اعتبار فشل تنفيذ الاتفاق كسراً للتوازن الدقيق القائم على الأرض، في ظل موقف الدروز الأكثر تشدداً في الجنوب، والتحرّكات الشعبية للعلويين في وسط وغرب سوريا، والتي ظهرت آخرها بالأمس من خلال تلبية الآلاف لدعوة رجل الدين البارز غزال غزال للاعتصام والتظاهر.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/29/2025 6:20:00 PM
القادة هم: أبو عبيدة ومحمد السنوار ومحمد شبانة ورائد سعد وأبو عمر السوري.
اقتصاد وأعمال 12/29/2025 5:34:00 AM
"بات من مصلحة المكلفين التصريح عن مداخيلهم وتسديد الضرائب ضمن المهل القانونية، تفاديا لرفع السرية المصرفية عن حساباتهم"
النهار تتحقق 12/27/2025 11:17:00 AM
لحظة إنقاذ في الحرم المكي استثنائية، "بطولية" في وصف مستخدمين. ماذا عرفنا عن هذه الصورة؟ 
لبنان 12/29/2025 12:37:00 PM
سمير جعجع دعا إلى عدم التصويت لمحور الممانعة أو "التيار الوطني الحر"