كشف تحقيق أجرته "رويترز"، اليوم الاثنين، أنّ "بعض السجون ومراكز الاحتجاز التي كانت تضم عشرات الآلاف من المعتقلين خلال حكم الرئيس السابق بشار الأسد، أصبحت اليوم مكتظة بسوريين تحتجزهم قوات الأمن التابعة للرئيس أحمد الشرع دون توجيه تهم رسمية".
A year after Assad's fall, Syria's prisons are filling up again. Reuters found at least 28 detention facilities from the Assad era have reopened this year, holding detainees without charges or paper trails. Reuters @specialreports investigation: https://t.co/RIUxLZMZLmpic.twitter.com/k2qV0ThMTB
وجمعت "رويترز" أسماء ما لا يقل عن 829 شخصاً تمّ اعتقالهم لأسباب أمنية منذ سقوط الأسد قبل عام، وذلك استناداً إلى مقابلات مع محتجزين سابقين وأفراد من عائلات معتقلين. وللوصول إلى هذا العدد، راجعت "رويترز" أيضاً قوائم غير كاملة بأسماء المعتقلين أعدها أشخاص نظموا زيارات عائلية إلى سبعة مراكز احتجاز.
وتشير المقابلات وقوائم المعتقلين وشهادات متعددة عن الاكتظاظ في السجون ومراكز الاحتجاز إلى أنّ "عدد المعتقلين لأسباب أمنية أعلى بكثير من العدد الذي تمكنت رويترز من جمعه".
Liberation from the “Human Slaughterhouse”: A Dark History of Imprisonment in Syria
تكشف عشرات المقابلات أنّ "بعض الانتهاكات التي كان السوريون يأملون أن تنتهي بسقوط الأسد عادت على يد رجال يعملون لصالح الحكومة المؤقتة: الاعتقالات التعسفية دون توجيه تهم أو وجود أوراق رسمية، استخدام بعض أساليب التعذيب والانتهاكات نفسها، بالإضافة الي حالات وفاة خلال الاحتجاز لا يتم تسجيلها. كما وقع بعض المعتقلين ضحية للابتزاز، بحسب مقابلات مع 14 عائلة".
واطلعت "رويترز" على مراسلات خمس من هذه العائلات مع من يزعمون أنّهم حراس في السجون أو وسطاء يطالبون بالمال مقابل إطلاق سراح أحد أقاربهم.
السجون سيئة السمعة في كانون الأول/ديسمبر 2024، تعهد الشرع بإغلاق "السجون سيئة السمعة" التي أنشأها الأسد. لكن التحقيق وجد أنّ "ما لا يقل عن 28 سجناً، ومركز احتجاز من عهد الأسد عادت للعمل خلال العام الماضي".
بدورها، ذكرت وزارة الإعلام السورية أنّ "ضرورة تقديم المتورطين في الانتهاكات التي حدثت في عهد الأسد إلى العدالة تفسر العديد من عمليات الاعتقال وإعادة فتح بعض مراكز الاحتجاز".
وقالت الوزارة: "أعداد المتورطين بجرائم وانتهاكات في سوريا في عهد النظام البائد كبير جداً نظراً لحجم الانتهاكات التي وقعت. هناك جرائم سابقة وهناك تورط في انتهاكات جديدة وتهديد للأمن والاستقرار من قبل مرتبطين بالنظام. إضافة إلى جرائم أخرى منها ذات طابع جنائي".
وأضافت أنّ "عدد السوريين الذين تم الإفراج عنهم خلال العام الماضي يفوق عدد المحتجزين حالياً"، لكنها لم تقدم أي أرقام محددة.
سجون الأسد تفتح من جديد (مواقع)
تشمل مرافق الاحتجاز التي رصدها التحقيق، سجوناً رئيسية ومراكز اعتقال كبيرة تقع ضمن مجمعات ضخمة كان يديرها في السابق جهاز المخابرات التابع للأسد، بالإضافة إلى مراكز احتجاز أصغر عند نقاط التفتيش ومخافر الشرطة.
ويفتقر المحتجزون في هذه المرافق إلى سبل الانتصاف القانونية، وأفادت 80 عائلة على الأقل بأنّها فقدت أثر أقاربها لأشهر طويلة.
ويختلف مستوى السماح للمحامين وأفراد العائلات بزيارة المحتجزين من منشأة إلى أخرى. ووجدت رويترز أنّ "توجيه تهم علنية للمعتقلين الأمنيين أمر نادر، بخلاف ما يحدث مع المتهمين بجرائم جنائية".
كما وجدت أنّ "المعتقلين لأسباب أمنية ينقلون إلى سجون كانت تابعة لقوات المعارضة، بما في ذلك تلك التي كان يقودها الرئيس الشرع في معقله السابق بمحافظة إدلب بشمال البلاد. وانضم هؤلاء المعتقلون إلى سجناء محتجزين هناك منذ سنوات الحرب الأهلية لأسباب أمنية"، وفقاً لشهادات نحو 12 سجيناً سابقاً.
في مختلف أنحاء سوريا، تحدث معتقلون سابقون وعائلات معتقلين حاليين عن ظروف غير إنسانية عانوا منها هم أو أقاربهم أثناء احتجازهم، من اكتظاظ شديد ونقص في الغذاء وانتشار الأمراض الجلدية نتيجة نقص الصابون.
وأكّد كل من المعتقلين لأسباب أمنية والمتهمين بجرائم عادية، أنّ "سوء المعاملة والإهمال متفشيان في مراكز الاحتجاز التي سجنوا فيها".
في المجمل، أجرت "رويترز" مقابلات مع أكثر من 140 سوريا لإعداد هذا التقرير، من بينهم معتقلون سابقون وأقارب ومحامون ونشطاء حقوقيون. كما اطلعت على مراسلات بين حراس سجون وعائلات معتقلين، علاوة على صور توثق حالات تعذيب مزعومة.
أطباء تكتموا عن التعذيب أيام الأسد يمارسون الطب بحرية في أوروبا
وفي بيانها قالت الحكومة السورية "في مرحلة ما بعد الأسد نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل المؤسسات القانونية والقضائية والأمنية"، وأضافت "وهنا تحدث كنتيجة طبيعية وحتمية لهذا الواقع الصعب بعض الفراغات تؤدي إلى وقوع نتائج سلبية تخالف السياسات في بعض الأحيان".
وقالت الحكومة إنّها فرضت إجراءات تأديبية على 84 من عناصر قوات الأمن بسبب وقائع ابتزاز مرتبطة بالمحتجزين و75 عنصراً بسبب أعمال عنف.
ومنذ كانون الثاني/يناير ، أعلنت وزارة الداخلية السورية عن اعتقال أكثر من 100 شخص بتهم تتعلق بانتهاكات مزعومة في عهد الأسد. ولا يشمل إحصاء رويترز هؤلاء الأشخاص الذين تم الكشف عن أسمائهم وتوجيه اتهامات محددة إليهم.
وبحسب تقديرات للأمم المتحدة في عام 2022، قتل أكثر من 300 ألف مدني سوري خلال الحرب.
لكن مدافعين عن حقوق الإنسان يقولون إنّ الاعتقالات الجماعية وحالات الاختفاء القسري تلقي بظلالها على حكومة الشرع التي وصلت إلى السلطة على وعد بإخراج سوريا من أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد. وتواجه القيادة الجديدة صعوبة في الوفاء بتلك الوعود، كما وثقت رويترز ذلك في سلسلة تقارير هذا العام.
سوريا الجديدة يتطلب تعهد الشرع ببناء سوريا جديدة "محاسبة من مكنوا الأسد من ارتكاب جرائمه وفي الوقت نفسه، إخراج البلاد من أتون حرب أهلية مدمرة بدأت عام 2011"، وانتهت بفرار الأسد إلى موسكو في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وبينما كان الشرع يتعهد في منتصف كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي بإغلاق السجون، كانت قواته تحتجز جنوداً من جيش الأسد بينهم مجندون أجبروا على أداء الخدمة العسكرية دون أن يكون لهم أي خيار في مكان أو طبيعة القتال. إضافة إلى بعض الضباط.
يُحتجز هؤلاء جميعاً في مراكز شهدت انتهاكات في الماضي، من دون وجود قوائم علنية بأسمائهم، كما لم تكشف الحكومة عن أماكن احتجازهم.
ولم توضح أيضاً عدد الجنود المعتقلين أو ما إذا كانوا يعتبرون أسرى حرب وهو وضع يمنحهم حماية قانونية خاصة.
وحصل بعضهم على عفو بعد مفاوضات مع الحكومة، سواء عبر وساطات غير رسمية مع القيادات المجتمعية والناشطين ورجال الدين، أو مباشرة من خلال اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي وهي لجنة حكومية.
ومن بين الجنود الذين أطلق سراحهم بتدخل من لجنة السلم الأهلي، مجند سابق في منتصف العشرينات من عمره طلب عدم الكشف عن هويته. وكان قد فرّ إلى العراق مع انهيار حكم الأسد، ثم عاد بعد أن تعهدت القيادة السورية الجديدة باستجواب الجنود وإطلاق سراح من لم يرتكبوا جرائم منهم.
انعكس الانقسام حيال حصر السلاح بيد الدولة العراقية في مواقف قادة فصائل بارزين، بينهم قيس الخزعلي (أمين عام عصائب أهل الحق) وشبل الزيدي (أمين عام كتائب الإمام علي)، اللذان أبديا موقفاً مبدئياً مؤيداً للطرح، في مقابل رفض صريح من "كتائب حزب الله" وحركة "النجباء".