بعد أحداث لاجان… هل تنتعش العشائريّة في إقليم كردستان؟
أعادت أحداث قرية لاجان التابعة لقضاء خبات غرب مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، التذكيرَ بالبُعد العشائري في العلاقات والتوازنات السياسية والاقتصادية في الإقليم، بعد سنوات طويلة كان يُعتقد خلالها أن التنظيمات الحزبية قد أزاحت الزعامات العشائرية من المشهد السياسي، برغم دورها الفاعل في تاريخ المنطقة الحديث.
بدأت الأحداث في لاجان عقب احتجاج سكان القرية على ضعف توظيف أبنائها في المنشآت النفطية والخدمية القريبة، فسقط سائق شاحنة ضحية رصاصة طائشة، ما أدى إلى توسّع الاحتجاجات. لكن شخصيات من خارج الإقليم، ومنابر إعلامية على وسائل التواصل، دفعت باتجاه تفسير ما جرى باعتباره احتجاجاً لأبناء عشيرة الهركي الكردية ضد حكومة الإقليم، متهمةً الأخيرة، ولا سيما الحزب الديموقراطي الكردستاني، باستبعاد أبناء العشيرة بسبب صلات زعاماتها بالاتحاد الوطني الكردستاني، الخصم التقليدي للديموقراطي الكردستاني.
وخلال الأيام التالية، نشر مجلس أمن إقليم كردستان مقطعاً مصوّراً لاعترافات شاب يُدعى نيجرفان عيسى مير، قال إنه على صلة بجوهر محيي الدين هركي، أحد أبرز زعماء العشيرة والمناهض التقليدي لنفوذ الحزب الديموقراطي في منطقة سهل نينوى حيث تنتشر العشيرة. وقال المتهم: "منذ عام 2021 ألتقي بجوهر آغا هركي، ومؤخراً أخبرني بأن لدينا تنسيقاً مع كتائب سيد الشهداء في الحشد الشعبي، وطلب مني إدارة مثل هذه الأعمال داخل حدود محافظة أربيل".
وأضاف أن عشرات الشبان جرى تنظيمهم للقيام بـ"أعمال شغب" في تلك المناطق بهدف إثارة القلاقل.
ويُعدّ الزعيم العشائري جوهر هركي مقرباً من الاتحاد الوطني الكردستاني. لكن زعيم الحزب بافل طالباني أصدر بياناً بشأن الأحداث قال فيه: "إن احتجاجات المواطنين حق مشروع، ويجب أن تلقى أصواتهم آذاناً صاغية. إن رسالة الهركيين وجميع المشاركين في هذه الأحداث قد وصلت. ونحن في الاتحاد الوطني الكردستاني مستعدون للمساعدة وإعادة الأمان وتلبية المطالب المشروعة".

ويقول مصدر سياسي رفيع في الحزب الديموقراطي الكردستاني، لـ"النهار"، إن استخدام النزعة العشائرية كأداة لشق الصف الكردي مسألة جرى تجاوزها منذ عقود.
ويضيف: "نحن نُفرّق بين احترام الشخصيات العشائرية ومكانتها الاجتماعية ودورها التاريخي في نضال الشعب الكردي، وبين أي محاولة لتقسيم المجتمع على أساس هويات وهمية ومختلقة جلبت عبر التاريخ صراعات مصطنعة بلا فائدة".
وتنتشر في إقليم كردستان عشائر كبرى عدّة، مثل الهركية والجاف والسورجية والزيبارية والبارزانية والبرادوست والهماوند وخوشناو وغيرها. وقد حاولت حكومات عراقية متعاقبة استمالة ولاءاتها في مراحل مختلفة من تاريخ الحركة القومية الكردية، عبر تحريض بعضها ضد الثورات الكردية أو خلق صراعات بين زعاماتها المحلية.
وتقول الباحثة الاجتماعية مايا أحمد لـ"النهار": "مثل أي نظام سياسي أو اقتصادي، ثمة طبقات اجتماعية تشعر بالغبن وعدم المساواة في الوصول إلى الثروات والحقوق العامة، وهي غالباً ما تكون رصيداً دائماً لأحزاب المعارضة".
وتوضح أن "إقليم كردستان، بسبب تداخله الشديد مع باقي مناطق العراق، وحرص قوى سياسية نافذة على إضعافه، يعود ليشهد تشغيل الآليات التقليدية: دعم وكسب ولاء متنفّذ اجتماعي ذي موقف جذري مناهض للسلطة القائمة، مع الإيحاء بامتلاكه شرعية التمثيل".
وتضيف أحمد: "البنية العشائرية في كردستان هي الأكثر قابلية للاستجابة لهذا النوع من الاستغلال، ولو بدرجة نسبية، وبالتالي يتم استخدامها وإشعال حساسياتها عند الحاجة".
نبض