الأتمتة في السعودية: تحوّل صناعي يقود نحو كفاءة أعلى واقتصاد أكثر استدامة
تشهد المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة تسارعاً لافتاً في تبني تقنيات الأتمتة والروبوتات الصناعية، في إطار رؤيتها الطموحة إلى التحول الصناعي ورفع كفاءة الإنتاج. ويأتي ذلك ضمن مسار استراتيجي تسعى من خلاله المملكة إلى تعزيز الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في المصانع، وتقليل التكاليف التشغيلية، وتحقيق تنافسية أعلى في الأسواق العالمية.
تشير بيانات الشركات المشاركة في معرض الصناعات المعدنية والماكينات “FABEX” الذي أقيم في الرياض، إلى أن السوق السعودية تسجل زيادة مطردة في الطلب على الروبوتات الصناعية، بمعدل نمو سنوي يتراوح بين 20 و30%. ويتوقع أن ترتفع نسبة الروبوتات الصناعية في السوق المحلية من 8 إلى 12% حالياً إلى نحو 40% خلال العقد المقبل، في ظل توجه المصانع نحو الأتمتة لتقليل الاعتماد على اليد العاملة، خصوصاً في قطاعات المعادن، الأغذية والمواد التشغيلية.
ويؤكد المدير العام لشركة “مكننة” المتخصصة في حلول الأتمتة الصناعية المهندس سمير فؤاد أن هذا التوجه يعكس إدراكاً متزايداً لدى المصانع السعودية بأهمية التحول نحو الأتمتة، موضحاً أن الروبوتات الصناعية تمثل خياراً اقتصادياً ذكياً، فهي ترفع الإنتاجية وتقلل التكاليف التشغيلية على المدى الطويل، إلى جانب قدرتها على العمل لساعات طويلة من دون توقف أو أخطاء تُذكر.
ويضيف فؤاد أن دخول الشركات الآسيوية إلى السوق السعودية أدى إلى انخفاض أسعار الروبوتات، حيث تبدأ أسعار بعض الأنواع من 150 ألف ريال، ما جعلها متاحة حتى للشركات الصغيرة والمتوسطة. وتعمل شركة “مكننة” حاليًا على استيراد الروبوتات، لكنها تخطط للتصنيع المحلي باستثمار سنوي يتراوح بين 5 و10 ملايين ريال. أما على صعيد المبيعات، فقد بلغت مبيعات الشركة منذ بداية عام 2025 نحو 25 مليون ريال، وهو ما يعكس النمو المتواصل في الوعي بأهمية الأتمتة رغم الحاجة المستمرة للتثقيف الصناعي حول فوائدها.
إلى ذلك، يوضح مدير فرع جدة في شركة “بيتا للمعدات الصناعية” مهند الحموي أن السوق السعودية للمعدات الصناعية تشهد استقراراً عاماً، مع استثمارات سنوية تتراوح بين 20 و30 مليون ريال في التطوير والتوسع. وتبلغ حصة الشركة السوقية على مستوى المملكة بين 20% و25%. ويشير الحموي إلى أن أكثر القطاعات طلباً على المعدات الصناعية هي شركات الطاقة والمعادن والمصانع، لافتاً إلى أن السوق المحلية تعتمد بدرجة كبيرة على المعدات المستوردة من الصين، التي تتميز بالجودة والضمان وبأسعار تنافسية. أما التحدي الأبرز فيتمثل في الركود الاقتصادي النسبي الذي يبطئ وتيرة النمو، رغم أن السوق السعودية ما زالت الأكثر استقراراً في المنطقة.

وفي سياق موازٍ، يشهد قطاع الحديد في السعودية نمواً مستمراً، ما ينعكس على زيادة استخدام الآلات المؤتمتة في عمليات التشكيل والتصنيع.
ويقول المدير العام لشركة “النافع للحديد والصناعات المعدنية” ماجد النافع إن سوق الحديد تشهد استقراراً في الطلب، مع توقعات بارتفاعه مطلع عام 2026 مدفوعاً بالمشاريع الكبرى مثل حديقة الملك سلمان، القدية، الدرعية، جدة سنترال، والريد سي. ويضيف أن حجم السوق السعودية للحديد يبلغ نحو 6 ملايين طن سنوياً، في حين تصل الطاقة الإنتاجية لمصنع النافع إلى 45 ألف طن سنوياً. وقد رفعت الشركة استثماراتها عام 2025 بنحو 54 مليون ريال لتطوير الماكينات وفتح خطوط إنتاج جديدة، ما يعكس الثقة المتزايدة في مستقبل القطاع الصناعي المؤتمت.
ويرى خبير التحول الرقمي رامز القارا في حديث إلى ”النهار” أن الأتمتة تمثل خطوة أساسية نحو التحول الرقمي الشامل، مؤكدًا أن الروبوتات الصناعية ستسهل كثيراً عملية الإنتاج لأنها تعمل بكفاءة أعلى ولساعات أطول من الإنسان دون انقطاع أو أخطاء تذكر، خصوصاً في الأعمال المتكررة التي تتطلب دقة وفعالية.
ويضيف القارا أن الأتمتة ليست مجرد مرحلة موقتة، بل هي تهيئة للبنية التحتية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مستقبلًا، إذ إن وجود الروبوتات في المصانع سيسهّل لاحقاً دمج الأنظمة الذكية التي يمكنها التحكم في هذه الروبوتات واتخاذ القرارات التشغيلية نيابة عن الإنسان.
في المحصلة، فإن التوجه المتصاعد نحو الأتمتة في السعودية لا يعبّر فقط عن رغبة في رفع كفاءة المصانع، بل عن تحول استراتيجي شامل في البنية الصناعية والاقتصادية. ومع دعم حكومي متزايد، واستثمارات متنامية في التكنولوجيا، واستعداد البنية التحتية لاحتضان الذكاء الاصطناعي، تبدو السعودية في طريقها لتصبح أحد المراكز الصناعية الذكية الرائدة في المنطقة خلال العقد المقبل.
نبض