الاستشارات في السعودية: تحول استراتيجي نحو تعزيز الكفاءات المحلية وتحقيق الكفاءة الاقتصادية
يشهد قطاع الاستشارات في السعودية تغيرات ملحوظة في ظل التوجه نحو تعزيز الكفاءة الاقتصادية وزيادة الاعتماد على الكفاءات المحلية. ومع تنفيذ المملكة مشاريع تنموية ضخمة، برزت الحاجة إلى مراجعة آليات التعاقد مع شركات الاستشارات لضمان تحقيق أعلى قيمة مقابل الإنفاق.
إعادة تقييم دور الاستشارات الخارجية
في السنوات الماضية، اعتمدت العديد من الجهات الحكومية والشركات الكبرى في السعودية على بيوت الخبرة والاستشارات العالمية لدعم تنفيذ مشاريعها. ومع ذلك، بدأت بعض الجهات بمراجعة استراتيجياتها لضمان تحقيق التوازن بين الاستفادة من الخبرات العالمية وتعزيز الاعتماد على الكوادر المحلية.
هذا التوجه ليس محصورًا بالسعودية وحدها، بل يندرج ضمن موجة عالمية تشهدها العديد من الاقتصادات التي تسعى إلى تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي وتقليل الاعتماد على الاستشارات الخارجية في المجالات التي يمكن تطويرها داخليًا.
فرص جديدة للشركات المحلية
مع تصاعد أهمية تحقيق الاستدامة الاقتصادية، بدأت المملكة في اتخاذ خطوات تدعم تنمية قطاع الاستشارات المحلية، مما قد يفتح المجال أمام شركات سعودية ناشئة ومتخصصة للمشاركة في المشاريع الكبرى. ويرى محللون أن هذه التحولات قد تشجع على بناء شراكات بين الشركات العالمية والمكاتب الاستشارية المحلية، مما يسهم في نقل الخبرات وتعزيز القدرات الوطنية.
في هذا الإطار يلفت الخبير الاقتصادي د. بلال شعيب، في حديثه لـ"النهار" إلى أنّ "المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي من أبرز العوامل التي تسهم في تحفيز الاقتصاد الوطني، وخاصة عندما يتعلق الأمر برواد الأعمال الذين يحملون أفكارًا مبتكرة وقادرة على إحداث تأثير إيجابي في السوق. هذه المشروعات، التي تتنوع في قطاعات متعددة، تُعدّ بمثابة شريان حيوي للاقتصاد، حيث تسهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز التنوع الاقتصادي. ومن خلال دعم المشروعات الصغيرة ورواد الأعمال المحليين، يمكن للدولة أن تساهم في بناء قاعدة قوية من الكوادر الوطنية القادرة على الابتكار والإبداع، مما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي. وهذا يتماشى مع رؤية المملكة العربية السعودية في تشجيع الابتكار وتعزيز البيئة الريادية، وهو ما يساهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف اقتصادية متعددة".

الطلب على الكفاءات المحلية
في ظل هذه المتغيرات، يتوقع أن يشهد سوق العمل في قطاع الاستشارات تحولات مهمة، حيث تتزايد الحاجة إلى كوادر محلية قادرة على تقديم خدمات استشارية متخصصة في مجالات مثل الاقتصاد، التقنية، وإدارة المشاريع. كما أن تعزيز الاستثمار في تطوير هذه المهارات محليًا قد يقلل من الحاجة إلى الاستعانة بمستشارين من الخارج على المدى الطويل.
الأهداف الاقتصادية لا تقتصر فقط على تعزيز النمو المحلي، يقول شعيب، بل تتجاوز ذلك لتشمل تعزيز الاستدامة المالية من خلال تقليل الاعتماد على الإيرادات التقليدية مثل النفط. وهذا يقلل من الهدر في الموازنات العامة ويساعد على وضع سياسات مالية أكثر فاعلية، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد بشكل عام. كما أن ذلك يساعد في توجيه الإنفاق الحكومي نحو بنود أخرى مثل برامج الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة، التي تساهم في تحسين مستوى الحياة للمواطنين.
ويتوقع الخبير الاقتصادي في المستقبل القريب، أن "تعتمد المملكة بشكل متزايد على المبادرات المحلية، بالشراكة مع الشركات العالمية أو المكاتب الاستشارية، لتحقيق النمو المستدام. هذه الشراكات من شأنها أن تقدم مزيدًا من الدعم الفني والتقني، وتفتح فرصًا جديدة للمشروعات الصغيرة لتوسيع نطاق أعمالها محليًا وعالميًا. بناءً على ذلك، يعد دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من أولويات السياسات الاقتصادية في السعودية، حيث تسهم هذه المشروعات في خلق بيئة اقتصادية متكاملة ومزدهرة يمكن أن تحقق العديد من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية على المدى البعيد".
اتجاهات مستقبلية في سوق الاستشارات
مع استمرار تنفيذ مشاريع ضخمة ضمن رؤية السعودية 2030، قد نشهد ظهور نماذج جديدة في قطاع الاستشارات، مثل تعزيز الاستشارات الداخلية، من خلال تكوين فرق متخصصة داخل المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى بدلاً من الاعتماد الدائم على طرف خارجي، بالإضافة إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تقلل من الحاجة إلى الاستشارات التقليدية في بعض المجالات. وأخيرا سيظهر المزيد من الشراكات بين الشركات العالمية والمحلية، لضمان استمرار الاستفادة من الخبرات الخارجية، مع تعزيز دور الشركات المحلية.
في المحصّلة، تشير هذه التوجهات إلى أن قطاع الاستشارات في السعودية يمر بمرحلة تحول، حيث تسعى المملكة إلى تحقيق التوازن بين الاستفادة من الخبرات العالمية وتعزيز الاعتماد على الكفاءات الوطنية. وبينما قد تمثل هذه التغيرات تحديًا لبعض الشركات، فإنها تفتح في الوقت ذاته فرصًا جديدة لتطوير قطاع استشاري أكثر استدامة وكفاءة.
نبض